بيليه هو «ايقونة عالمية».. إنه ليس مجرد لاعب كرة قدم هائل قادر على إلهاب مشاعر مدرجات كاملة وإنما هو أيضاً رجل عظيم في خدمة القضايا النبيلة، هكذا يقدم ناشر هذا الكتاب، «ملك كرة القدم» لقارئيه.
استرعى بيليه انتباه مدربي كرة القدم وهو في الحادية عشرة من عمره عندما كان يمسح الأحذية للحصول على بعض الدريهمات والتمتع بمشاهدة مباريات كرة القدم، وأصبح لاعباً محترفاً وهو في الخامسة عشرة من العمر، وبعد عامين فقط شارك في بطولة كأس العالم لكرة القدم ليقود بلاده للفوز في المباراة النهائية ضد السويد بخمسة أهداف مقابل هدفين.
الموضوع الأصلى من هنا: الكوت قصة حياة بيليه
«من أنا؟» يتساءل بيليه في تقديمه لهذا الكتاب. ويجيب: «أنا طفل كان يتسلّى في الشوارع بحذاء محشو بالخرق قبل أن يصبح لاعب كرة قدم يلعب بكرة حقيقية، وعلى أرض ملاعب رسمية ومجهّزة وفي إطار فرق كتبت التاريخ. رأيت العالم وقابلت شخصيات فريدة ورائعة، ولم أكن أتصور أبداً أنني سأسمو إلى هذا العلو.
وكاستهلال في بداية الفصل الأول من هذا الكتاب اختار بيليه جملة كان والده قد قالها وجاء فيها: «إن أجمل هدف سجلته في حياتي كان بالاشتراك مع سيليست ـ زوجته ـ وقد عمدناه باسم اديسون ارانتس دو ناسيمونتو (بيليه). وكان الطفل «اديسون» قد ولد في بلدة تريس كوراسيدس» شمال ريودي جانيرو.. واسم تلك البلدة يعني باللغة الاسبانية «القلوب الثلاثة».
وهو من مواليد 23 أكتوبر عام 1940. يقول عن أصله: «ولدت فقيراً في منزل صغير بني من أحجار القرميد التي جرى جمعها من هنا وهناك». كان والده لاعب كرة قدم أيضاً، لكنه لم ينل أية شهرة تذكر..
وعندما رأى الطفل اديسون ـ بيليه ـ النور كان ضعيف البنية جداً، لكن هذا لم يمنع والده دوندينو من القول وهو يلمس ساقيه الهزيلتين: «سوف يصبح لاعب كرة قدم عظيما».
لم يكن «بيليه» تلميذاً متميزاً في المدرسة.. ويقول: «فهمت بسرعة انني لا أحب كل ما له علاقة بالمدرسة من قريب أو بعيد». ولا ينسى الحديث عن العقوبات الكثيرة التي نالها والتي لم يكن أقلها قسوة البقاء فترة طويلة واقفاً في زاوية قاعة الدرس ووجهه على الجدار ويديه ممدودتين .
ومن الذكريات الكثيرة التي لم تزل باقية في ذهنه من تلك الفترة فترة الضنك التي عرفتها الأسرة ما جعله يمشي حافي القدمين مثل اخوته ويلبس الثياب التي كان قد استخدمها آخرون قبله. ويذكر أيضاً انه عندما كان في سن السابعة تقريباً اشترى «عدة لمسح الأحذية، بمساعدة عمه.. وأخذ يقرع الأبواب في حيه كي يقدم خدماته».
لكنه لم يظفر إلا بعدد نادر من الزبائن، فأغلبية أهل الحي كانوا يسيرون حفاة الأقدام. هكذا اضطر إلى توسيع «مجال عمله» إلى الأحياء الأخرى.. وخاصة إلى ملعب نادي اتلانتيك بمدينة بورو، حيث كان والده أحد لاعبي فريق ذلك النادي.
لم يكن بيليه يحلم بتمثيل البرازيل أو لعب مباريات كأس العالم، وإنما كان حلمه الذي يردده لزملائه: «ذات يوم سوف أصبح قوياً مثل والدي».. ومع هؤلاء الزملاء قرر ذات يوم «سرقة كمية من الفول السوداني» من أحد المخازن بقصد بيعها أمام دور السينما وصالات السيرك من أجل شراء التجهيزات الضرورية لممارسة لعبة كرة القدم، وهكذا شكلّوا فريق أبناء الأحياء الفقيرة.
والذي نال بسرعة شهرة واسعة بعد الانتصارات التي حققها. كان ملعبهم هو «الشارع» وكان منزل «بيليه» المجاور هو المكان الذي يغيرون فيه ملابسهم ويرتدون لباس الفريق «الموحّد».. وكان اللعب يستمر كل يوم حتى حلول الظلام..
وكان أبوه هو مدرّب الفريق. ومثلما يحب البرازيليون إعطاء ألقاب للاعبين، فقد أعطاه زملاؤه تسمية «غازولينا»، على اسم مطرب برازيلي معروف آنذاك. لكن العالم كله عرفه تحت اسم «بيليه»، تيمناً باسم حارس مرمى «مغمور» كان الفتى اديسون «بيليه» معجباً به وكان هو نفسه يريد أن يصبح مثله «حارس مرمى».
عندما كان عمر «بيليه» تسع سنوات قامت البرازيل للمرة الأولى بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1950، ويوم المباراة النهائية بين البرازيل والأورغواي دعا والده عدد من زملائه الرياضيين، كي يحضروا مجتمعين في منزله عبر «الراديو»..
وخاصة من أجل «الاحتفال» بالانتصار. سجّلت البرازيل الهدف الأول، ثم جاء التعادل وقبل 11 دقيقة من نهاية المباراة سجلت الأورغواي هدفها الثاني. وللمرة الأولى في حياته رأى بيليه والده يجهش بالبكاء. فما كان من الطفل إلا ان قال له مواسياً:
«ذات يوم، سوف أفوز بكأس العالم من أجلك»، ثم ذهب الطفل إلى غرفة والديه ووقف أمام صورة للسيد المسيح معلقة على الجدار وقال له: «اعلم لو أنني كنت في الملعب ما كنت تركت البرازيل تنهزم.. لو كنت هناك كانت ستفوز..
أو لو كان أبي هناك كان سجل ذلك الهدف الذي افتقدناه». وذات يوم نظمت بلدية «بورو» دوريا لفرق كرة القدم في أحيائها، ويومها سمع الفتى للمرة الأولى الجماهير وهي تردد «بيليه، بيليه» لقد فاز فريقه وهنأه والده، وكانت المرة الأولى التي دخل فيها المال إلى جيوبه من كرة القدم يوم تسجيله لهدف الفوز في مباراة الأحياء، فما كان من المشجعين سوى أن ألقوا عليه قطع وأوراق النقود.. لقد جمع أكبر كمية ممكنة منها ثم أخذ «غنيمته» إلى والدته.
ومن خلال عدة انتصارات «صغيرة» قابل لاعب كرة قدم برازيلي سابق جاء إلى منطقة بحثاً عن لاعبين لنادي مهم في ريودي جانيرو، وكان من بين الذين اختارهم، اعترضت أمه بشدة في البداية ثم قبلت كـ «تجربة» فقط، وكانت الكلمات الأخيرة لمدربه السابق: «لا تبغ ولا كحول ولا نساء ولا رفاق سوء».
كان تنفيذ النصيحة ميسوراً بالنسبة للتبغ والكحول، كما يقول بيليه «لكن الفتيات؟ كيف يمكن عدم التفكير بهن؟ إن مثل هذا الطلب لمراهق يقارب السادسة عشرة هو ضرب من الهذيان» حسب قوله قبل أن يشير إلى عدة فتيات عرضهن في حياته؟ كانت الأولى بينهن بيضاء زجرها والدها أمام الجميع قائلاً: «ماذا تفعلين مع هذا العبد الأسود؟»، وهذا ما يعلق عليه بالقول:
«كانت تلك هي التجربة العنصرية الأولى في حياتي». ويذكر بيليه أسماء أخريات بينهن سميرة، ذات الأصل العربي كما يدل اسمها واليابانية «نوزنها» ويعترف بيليه بقوله: كنت أذهب غالباً إلى السينما من أجل رصد الفتيات اللواتي لم يكن لديهن صديق ،ولا يتردد في التعبير عن رأيه بصراحة في الجنس قائلا:
«إن جميع الأسرار التي تتم إحاطة الجنس بها غالبا مثيرة للضحك.. وحتى في بدايات هذا القرن الحادي والعشرين أعرف ان هناك الكثير من الناس لايزالون يجدون صعوبة في مواجهة الموضوع مع ذلك يدرك الأهل مدى الصعوبات التي يواجهها المراهقون، ان هرموناتنا تنفخ فينا الحياة وتوقد فينا المشاعر.. وليس هناك خطيئة حيث يوجد الحب.
لعب بيليه داخل فريق نادي سانتوس يعبر بعدها احد لاعبيه القدامى فاسكونيسلوس بقوله: «كان الرقم 10 في فريق سانتوس يعود لي دون نقاش حتى وصول فتى صغير نحيل القدمين مثل عودي ثقاب ليدخل التاريخ تحت اسم بيليه»، ومن سانتوس إلى السويد للمشاركة في مباريات بطولة كأس العالم..
وكانت المباراة النهائية بين البرازيل والسويد، انتصرت البرازيل بخمسة أهداف مقابل هدفين سجل بيليه اثنين منها، يصف احدهما «ان احد أفضل الأهداف بالنسبة لي» حلم في تلك اللحظة وهو يشد على يد والده ويقول له: هذا الانتصار هدية لك» وانه قد وفى بالوعد الذي قطعه على نفسه عندما كان عمره تسع سنوات.
كانت بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1958 نقطة الانطلاق الحقيقية في مسيرة «بيليه الصاعدة» ففي تلك السنة ظهرت صوره على أغلفة المجلات والصفحات الأولى من جرائد العالم كله.. ومن بينها مجلة «باري ماتش» الفرنسية الشهيرة التي أعلنت عن بروز «ملك جديد» ،يقول: بدأوا يطلقون علي تسمية الملك بيليه.. وكان أصدقائي يقولون لي انني ملك بالفعل ذلك أن الشعب هو الذي منحني هذا اللقب.
بلغ بيليه شهرة كبيرة دعت اللاعب بوبي شارلتون إلى القول: «يعتريني الإحساس أحياناً انه قد تم اختراع كرة القدم من أجل هذا اللاعب الرائع» وذهب المدافع الايطالي «تارسييوزا بورغينش» إلى حد القول: «كنت أكرر انه إنسان مثلي، من لحم ودم.. لكنني كنت مخطئاً في ذلك».
ان ذلك الفتى الصغير الذي كان يقوم بمسح الأحذية من اجل تأمين المبلغ المطلوب لشراء ابسط التجهيزات المطلوبة لممارسة كرة القدم، لم يصبح لاعباً لا يماثله احد فقط وإنما اخترع طريقة جديدة للعب تقوم على المرونة والسرعة والدقة والذكاء.
وبلغ عدد الأهداف التي سجلها 1281 هدفاً في 1363 مباراة رسمية لكرة القدم، وهذا رقم قياسي في عالم هذه اللعبة وقد فازت البرازيل عندما كان في عداد فريقها الوطني بثلاثة كؤوس للعالم في سنوات 1958 و1962 و1970.
حظي بيليه بإعجاب أصدقائه وخصومه بنفس الوقت ووصفه الرئيس البرازيلي انه «ثروة وطنية» وذلك من اجل منع تحويله للعب في أي فريق أوروبي، كما يؤكد بيليه نفسه.. وجرى اختياره «لاعب القرن العشرين» عام 2000.
وهو يحكي في هذا الكتاب عن لقاءاته مع كبار شخصيات العالم وأصحاب القرار، ومن بينها ذلك اللقاء مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الذي استقبله في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض وبادره بالقول: «انا رونالد ريغان رئيس الولايات المتحدة الأميركية، اما أنت فلا حاجة للتعريف بك، فالجميع يعرفونك».
في المقطع الأخير من هذا الكتاب يقول: «انا رجل في الخامسة والستين من العمر عرفت حياته الأحلام الأكثر جنوناً لقد تخللتها الضحكات والدموع، والانتصارات والهزائم.
وعرفت في المحصلة من الفرح أكثر مما عرفت من المتاعب «ثم ختم كلامه بتقديم الشكر لأولئك الذين ساعدوه كي يصبح «بيليه» بالقول: «دون الطاقة التي أعطيتموها لي، ما كان لي أبداً أن أكون حيث حيث أنا اليوم».كتاب ـ قصة حياة أكبر أسطورة في تاريخ لعبة كرة القدم.
* الكتاب: قصة حية بيليه