حسام الصلوي ~®§§عضو إداري §§®~
الدولـة : مهنتي : هوايتي : الجـنس : الْمَشِارَكِات : 2576 الْنِّقَاط : 4818 تاريخ التسجيل : 10/07/2010 العمر : 33 أوسمتي : MMS ~ :
| موضوع: قصة حياة المتنبي 2010-09-10, 19:39 | |
| المتنبي خلاصة الثقافة العربيةالإسلامية في النصف الأول من القرن الرابع للهجرة. هذه الفترة كانت فترةنضج حضاري في العصر العباسي ، وهي في الوقت نفسه كانت فترة تصدع سياسيوتوتر وصراع عاشها العالم العربي . فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتهاوالسلطان الفعلي في أيدي الوزراء، وقادة الجيش ومعظمهم من الأعاجم، ثمظهور الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام ، ثم تعرض الحدود لغزواتالروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية ثم الحركات الدموية في داخلالعراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة.
لقد كان لكلوزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراءوالعلماء يتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخر ثم هم وسائل صلة بين الحكاموالمجتمع بما تثبته وتشيعه من مميزات هذا الأمير وذلك الحاكم ، فمن انتظمفي هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبارهذا الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك. والشاعرالذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلا يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعرا معروفااستقبله المقصود الجديد، وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته.
فيهذا العالم المضطرب المتناقض الغارق في صراعه الاجتماعي والمذهبي كانتنشأة المتنبي وقد وعي بذكائه ألوان هذا الصراع وقد شارك فيه وهو صغير،وانغرست في نفسه مطامح البيئة فبدأ يأخذ عدته في أخذه بأسباب الثقافةوالشغف في القراءة والحفظ. وقد رويت عن أشياء لها دلالاتها في هذه الطاقةالمتفتحة التي سيكون لها شأن في مستقبل الأيام والتي ستكون عبقرية الشعرالعربي. روي أنه تعلم في كتاب كان يتعلم فيه أولاد أشراف الكوفة دروسالعلوية شعرا ولغة وإعرابا. وروي أنه اتصل في صغره بأبي الفضل بالكوفة،وكان من المتفلسفة، فهوسه وأضله. وروي أنه كان سريع الحفظ، وأنه حفظ كتابانحو ثلاثين ورقة من نظرته الأولى إليه، وغير ذلك مما يروى عن حياة العظماءمن مبالغات . . .
ولم يستقر في موطنه الأول الكوفة وإنماخرج برحلته إلى الحياة خارج الكوفة وكأنه أراد أن يواجه الحياة بنفسهليعمق تجربته فيها بل ليشارك في صراعاتها الاجتماعية التي قد تصل إلى أنيصطبغ لونها بما يسيل من الدماء كما اصطبغ شعره وهو صبي . . هذا الصوتالناشئ الذي كان مؤهلا بما يتملك من طاقات وقابليات ذهنية أدرك أن مواجهةالحياة في آفاق أوسع من آفاق الكوفة تزيد من تجاربه ومعارفه فخرج إلىبغداد يحاول أن يبدأ بصراع الزمن والحياة قبل أن يتصلب عوده، ثم خرج إلىبادية الشام يلقي القبائل والأمراء هناك، يتصل بهم ويمدحهم فتقاذفته دمشقوطرابلس واللاذقية وحمص. كان في هذه الفترة يبحث عن فردوسه المفقود، ويهيئلقضية جادة في ذهنه تلح عليه، ولثورة حاول أن يجمع لها الأنصار، وأعلنعنها في شعره تلميحا وتصريحا حتى أشفق عليه بعض أصدقائه وحذره من مغبةأمره، حذره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل في اللاذقية، فلم يستمع له وإنماأجابه مصرا :
أبـا عبـد الإلـه معاذ أني
خفي عنك في الهيجا مقامي
ذكرت جسيـم ما طلبي وأنا
تخاطر فيـه بالمهج الجسام
أمثلـي تـأخذ النكبات منـه
ويجزع من ملاقاة الحمام ؟
ولو برز الزمان إلى شخصا
لخضب شعر مفرقه حسامي
إلاأنه لم يستطع أن ينفذ ما طمح إليه. وانتهى به الأمر إلى السجن. سجنه لؤلؤوالي الأخشيديين على حمص بعد أن أحس منه بالخطر على ولايته، وكان ذلك مابين سنتي 323 هـ ، 324 هـ .
البحث عن النموذج :
خرجأبو الطيب من السجن منهك القوى . . كان السجن علامة واضحة في حياته، وكانجدارا سميكا اصطدمت به آماله وطموحاته، وأحس كل الإحساس بأنه لم يستطعوحده أن يحقق ما يطمح إليه من تحطيم ما يحيط به من نظم، وما يراه من فسادالمجتمع. فأخذ في هذه المرحلة يبحث عن نموذج الفارس القوى الذي يتخذ منهمساعدا على تحقيق طموحاته، وعلى بناء فردوسه. وعاد مرة أخرى يعيش حياةالتشرد والقلق، وقد ذكر كل ذلك بشعره. فتنقل من حلب إلى إنطاكية إلى طبريةحيث التقى ببدر بن عما سنة 328 هـ، فنعم عند بدر حقبة، وكان راضيا مستبشرابما لقيه عنده، إن الراحة بعد التعب، والاستقرار بعد التشرد، إلا أنه أحسبالملل في مقامه، وشعر بأنه لم يلتق بالفارس الذي كان يبحث عنه والذييشاركه في ملاحمه، وتحقيق آماله. فعادت إليه ضجراته التي كانت تعتاده،وقلقه الذي لم يبتعد عنه، وأنف حياة الهدوء إذ وجد فيها ما يستذل كبرياءه.فهذا الأمير يحاول أن يتخذ منه شاعرا متكسبا كسائر الشعراء، وهو لا يريدلنفسه أن يكون شاعر أمير، وإنما يريد أن يكون شاعرا فارسا لا يقل عنالأمير منزلة. فأبو الطيب لم يفقده السجن كل شيء لأنه بعد خروجه من استعادإرادته وكبرياءه إلا أن السجن كان سببا لتعميق تجربته في الحياة، وتنبيههإلى أنه ينبغي أن يقف على أرض صلبة لتحقيق ما يريده من طموح. لذا فهو أخذأفقا جديدا في كفاحه. أخذ يبحث عن نموذج الفارس القوي الذي يشترك معهلتنفيذ ما يرسمه في ذهنه.
أما بدر فلم يكن هو ذاك، ثم ماكان يدور بين حاشية بدر من الكيد لأبي الطيب، ومحاولة الإبعاد بينهما مماجعل أبا الطيب يتعرض لمحن من الأمير أو من الحاشية تريد تقييده بإرادةالأمير، كان يرى ذلك استهانة وإذلالا عبر عنه بنفس جريحة ثائرة بعد فراقهلبدر متصلا بصديق له هو أبو الحسن علي ابن أحمد الخراساني في قوله :
لا افتخار إلا لمن لا يضام
مدرك أو محارب لا ينام
وعادالمتنبي بعد فراقه لبدر إلى حياة التشرد والقلق ثانية، وعبر عن ذلك أصدقتعبير في رائيته التي هجا بها ابن كروس الأعور أحد الكائدين له عند بدر.
وظلباحثا عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله فيإنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ وعن طريقه اتصلبسيف الدولة سنة 337 هـ وانتقل معه إلى حلب.
في مجلس هذاالأمير وجد أفقه وسمع صوته، وأحس أبو الطيب بأنه عثر على نموذج الفروسيةالذي كان يبحث عنه، وسيكون مساعده على تحقيق ما كان يطمح إليه. فاندفعالشاعر مع سيف الدولة يشاركه في انتصاراته. ففي هذه الانتصارات أروعبملاحمه الشعرية. استطاع أن يرسم هذه الحقبة من الزمن وما كان يدور فيهامن حرب أو سلم. فيها تاريخ واجتماع وفن. فانشغل انشغالا عن كل ما يدورحوله من حسد وكيد، ولم ينظر إلا إلى صديقه وشريكه سيف الدولة. فلا حجابولا واسطة بينهما، وكان سيف الدولة يشعر بهذا الاندفاع المخلص من الشاعرويحتمل منه ما لا يحتمل من غيره من الشعراء. وكان هذا كبيرا على حاشيةالأمير .
وكان أبو الطيب يزداد اندفاعا وكبرياء واحتقارالكل ما لا يوافق هذا الاندفاع وهذه الكبرياء . . في حضرة سيف الدولةاستطاع أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرما مميزاعن غيره من الشعراء. وهو لا يرى إلى أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنهحصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة إلى المجد الذي لا يستطيعهو نفسه أن يتصور حدوده إلى أنه مطمئن إلى إمارة عربية يعيش في ظلها وإلىأمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألفهذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعدا وكان الشعراءيلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضا هذا التمجيد لنفسهووضعها أحيانا بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه . . . ولربما احتمل على مضضتصرفاته العفوية إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانتطبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان. وهذا ملكان يغري حساده بهفيستغلونه ليوغروا صدر سيف الدولة عليه حتى أصابوا بعض النجاح، وأحسالشاعر بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولةبأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير وبدأت المسافةتتسع بين الشاعر وصديقه الأمير. ولربما كان هذاالاتساع مصطنعا إلا أنهاتخذ صورة في ذهن كل منهما، وأحس أبو الطيب بأن السقف الذي أظله أخذيتصدع، اعتاده قلقه واعتادته ضجراته وظهرت منه مواقف حادة مع حاشيةالأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسهالذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وكان موقفهمع ابن خالوية بحضور سيف الدولة واعتداء ابن خالوية عليه ولم يثأر لهالأمير أصابته خيبة الأمل، وأحس بجرح لكرامته لم يستطع أن يحتمل فعزم علىمغادرته ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه، وإنما أراد أن يمضي بعزمه.فكانت مواقف العتاب والعتاب الصريح، ووصل العتاب إلى الفراق. وكان آخر ماأنشده إياه ميميته في سنة 345 هـ ومنها:
لا تطلبن كريمــا بعد رؤيته
إن الكرام بأسخــاهم يدا ختموا
ولا تبــال بشعر بعد شاعره
قد أفسد القول حتى أحمد الصمم
البحث عن الأمل :
فارقأبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حسادهومنافسوه من حاشية سيف الدولة. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأنهوة بينه وبين صديقة يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنافلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. فغادر حلبا، وهو يكن لأميرهاالحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخطالمعادي، ولذا بقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبوالطيب إلى الكوفة من كافور حتى كادت الصلة تعود بينهما، فارق أبو الطيبحلبا إلى مصر . . وفي قلبه غضب كثير، وكأني به أطال التفكير في محاولةالرجوع إلى حلب وكأني به يضع خطة لفراقها ثم الرجوع إليها ولكن لا يرجعإليها شاعرا فقط إنما يزورها ويزور أميرها عاملا حاكما لولاية يضاهي بهاسيف الدولة، ويعقد مجلسا يقابل سيف الدولة . . من هنا كانت فكرة الولايةأملا في رأسه ظل يقوي وأظنه هو أقوى الدوافع . . دفع به للتوجه إلى مصرحيث كافور الذي يمتد بعض نفوذه إلى ولايات بلاد الشام . .
وفيمصر واجه بيئة جديدة، ومجتمعا آخر، وظروفا اضطرته إلى أن يتنازل في أولالأمر عما لم يتنازل عنه، وهو عند سيف الدولة . . ثم هو عند ملك لا يحبه،ولم يجد فيه البديل الأفضل من سيف الدولة إلا أنه قصده آملا، ووطن نفسهعلى مدحه راضيا لما كان يربطه في مدحه من أمل الولاية، وظل صابرا محتملاكل ذلك. وأخذ يخطط إلى أمله الذي دفعه للمجيء إلى هنا، ويهدأ كلما لاحبريق السعادة في الحصول على أمله، وهو حين يراوده نقيض لما يراه من دهاءهذا الممدوح الجديد ومكره تنعصر نفسه، ويحس بالحسرة على فراقه صديقهالقديم. وفي هذه البيئة الجديدة أخذ الشعور بالغربة يقوى في نفسه بل أخذيشعر بغربتين غربته عن الأهل والأحبة وعما كان يساوره من الحنين إلىالأمير العربي سيف الدولة، ويزداد ألمه حين يرى نفسه بين يدي أسود غيرعربي إلا أنه حين يتذكر جرح كبريائه يعقد لسانه ويسكت . . وغربته الروحيةعمن حوله والتي كان يحس بها في داخله إحساسا يشعره بالتمزق في كثير منالأحيان . . وظل على هذا الحال لا تسكته الجائزة، ولا يرضيه العطاء، وظليدأب لتحقيق ما في ذهنه ويتصور أنه لو حصل عليها لحقق طموحه في مجلس كمجلسسيف الدولة تجتمع فيه الشعراء لمدحه فيستمع لمديحه وإكباره على لسانالشعراء بدلا من أن يؤكد كبرياءه هو على لسانه، ولربما كان يريد إطفاءغروره بهذا إلا أن سلوكه غير المداري وعفويته التي رأيناها بابا سهلالدخول الحساد والكائدين بينه وبين الحاكم الممدوح، ثم حدته وسرعة غضبهوعدم السيطرة على لسانه. كان كل ذلك يوقعه في مواقف تؤول عليه بصور مختلفةوفق تصورات حساده ومنافسيه . . وأكاد أعتقد أنه كان مستعدا للتنازل عن كلجوائزه وهباته لمن كان يتصور أنه كان يريد أن يتربع على عرش الشعر من أجلجائزة كافور وعطائه، ثم يصوره بصورة تشوه إحساسه وتزور مشاعره . . وذلك هوالذي يغيظه ويغضبه ويدفعه إلى التهور أحيانا وإلى المواقف الحادة . . كلذلك يأخذ طابعا في ذهن الحاكم مغايرا لما في ذهن الشاعر . .
هكذابدأت المسافة تتسع بينه وبين كافور . . وكلما اتسعت المسافة كثر في مجالهاالحاسدون والواشون، وكلما أحس الشاعر، ولو وهما، بأزورار كافور عنه تيقظتلديه آفاق جديدة لغربته، وثارت نفسه وأحس بالمرارة إحساسا حادا . . لقدكان هو يحس بالحق، وبأنه لم يطلب فوق حقه، ولم يتصرف بما هو خطأ لأنه لميصدر منه تجاوز على حق أحد إلا أنه هذا التصور البريء في ذهن الشاعر بعيدعن واقع الصورة التي في ذهن حاشية كافور، وما يصل إلى كافور من أقوال عنالشاعر وعادة المتملقين من الوجهاء يتوصلون إلى الحاكم بواسطة حاشيتهوإغراء بعض أفرادها بأن يكونوا جسورا بينهم وبين سيدهم . . هذه الجسور قدتقطع عند الحاجة بين الحاكم وبين خصومهم . . . أما أبو الطيب فلم يكن يحسنهذا اللون من التظاهر ولم يكن يفكر بهذا اللون من التصور، وإنما كان صريحابكل شيء في رضاه وسخطه صريحا بما يرغب دون احتيال ولا محاورة، فما داميشعر بالحق طالب به دون تأجيل.
هذه الصراحة كثيرا ماأوقعته في مواقف حرجة، عند سيف الدولة، وهنا أيضا عند كافور، لذا صارتللمتنبي صورة الغول في نفس كافور، وبأنه المخيف الذي سينزو على ملكه إذاأعطاه ما يمكنه من ذلك، وهكذا ظل الشاعر يرغب، ويلح في رغبته، وظل كافوريداوره ويحاوره، وهو لون من الصراع الدرامي بين حاكم يحسن الاحتيالوالمداورة وشاعر صريح لا يحسن من ذلك شيئا حتى وصل الشاعر إلى حالة لميستطع بعدها أن يبقى صامتا، وشعر كافور برغبته في مغادرته فظن أن تشديدالرقابة عليه وإغلاق الحدود دونه سيخيفه ويمنعه من عزمه، ويخضعه كما يفعلمع غيره من الشعراء بالترهيب حينا والذهب حينا آخر . . إلا أن أبا الطيبلم يعقه ذلك كله عن تنفيذ ما عزم عليه بعد أن أحس باليأس من كافور، ولذعهالندم على ما فعل بنفسه في قصده إياه . .
وعاودته ضجراتهالتي أحس بها وهو عند أكثر أصدقائه إخلاصا وحبا وظل يخطط إلى الهرب، ويصرعلى تحدي كافور ولو بركوب المخاطر حتى وجد فرصته في عيد الأضحى، وخرج منمصر، وهجا كافورا بأهاجيه المرة الساخرة .
الاضطراب واليأس :
إنتحدي أبي الطيب لسلطة كافور في هروبه وركوبه كل المخاطر، ثم هذه الطاقةالمتفجرة من السخط والغضب في هجائه، كل ذلك يدل على مبلغ اليأس والندم فينفسه، ويبدو لي أنه كان حائرا حين فارق سيف الدولة، وحاول أن يمنع نفسه منالتوجه إلى كافور إلا أنه رجح أمر توجهه إلى مصر بعد إطالة فكر . . .ويبدو أنه كان قد فكر بهذه النتيجة اليائسة من ملك مصر لذا نراه وكأنهأراد أن يتقدم من نفسه على ارتكابه خطيئة التوجه إليه واحتمالها مدحه،والتقيد بأوامره حينا. فهو حاول بأي وجه أن يشعر بالانتصار على هذهالسلطة، نجده تحداه في هروبه، ثم نقرأ هذا الفخر بالشجاعة والفروسية فياقتحام المخاطر في طريقه إلى الكوفة في مقصورته :
ضربت بها التيه ضرب القمار
إمــا لهـذا وإمــا لـذا
إذا فزعت قدمتـها الجيــاد
وبيض السيوف وسمر القنا
فلمـا انحنـا ركزنـا الرماح
فـوق مكــارمننا والعمل
وبتنــا نقبـــل أسيافنــا
| |
|