منتدى بست نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بست نت

منتدى شامل وكامل مناسب لجميع الاعمار
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الوطن والموطنه الحقوق والواجبات

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
علي العبرات
°`°؛¤ عضو مرشح¤؛°`°
°`°؛¤ عضو مرشح¤؛°`°
علي العبرات


الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Sans_t13
إحترام قوانين المنتدى الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 111010
الدولـة : اليمن
مهنتي : طالب
هوايتي : رياضة
الجـنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 566
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 1079
تاريخ التسجيل : 25/09/2010
أوسمتي :
الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Caeaco11الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 1a5c2483211a

MMS ~ : الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Mms-5

الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Empty
مُساهمةموضوع: الوطن والموطنه الحقوق والواجبات   الوطن والموطنه الحقوق والواجبات I_icon_minitime2010-09-30, 12:48

الوطن والمواطنة الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 3450
الحقوق والواجبات

حسن الصفار




بسم الله الرحمن الرحيم





{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}


صدق الله العلي العظيم


سورة الأحزاب / آية 39





تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم


لا تزال كثير من المفاهيم والمسائل والقضايا الشائكة في الوعي الإسلامي للفرد والمجتمع والأمة غائبة أو مغيبة، بل و بعيدة كل البعد عن حيز المداولة والبحث الجاد فيها، مما أدى إلى ضمور حالة الحضور الفاعل للإنسان المسلم في مساحة الواقع، بل سببت حالة غياب الرؤية الاجتهادية للمهتمين بالشأن العام والخاص لقضايا الساخنة للأمة إلى تكريس حالة الفصل بين الوعي والواقع، فالوعي يزداد في تجريداته النظرية وتعاطفه المنفعل مع القيم والمثل للإسلام، والواقع يزداد سوءاً للتطبيقات المتعارضة مع الأهداف السامية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف في جميع مستوياته العقدية والتشريعية.

ومن هنا صار من الضروري الوقوف عند كثير من هذه المفاهيم والقضايا لمعالجتها بالتحليل الدقيق، والدراسة الموضوعية في كافة مجالاتها المعرفية لسد ذلك النقص الذي لا زال ماثلاً في مساحة وعينا الإسلامي، وبالخصوص في الواقع المعاصر للمجتمع والأمة.

ولا شك أن هذه المهمة تقع على عاتق علماء ومفكري ومثقفي الأمة، والذي بات واضحاً لهم ضرورة العمل الجاد من أجل رفع اللبس في كثير من الأفكار والمفاهيم غير الواضحة في وعي الإنسان المسلم، وكما يقتضي تجدد الزمن، إلى تعمق جديد في تلك الإشكالات المستجدة في حياة الأمة، إذ كلما تقدمت معارف هذا الإنسان، وتطورت الحياة، وتشكلت آفاق حضارية جديدة استوجب كل ذلك البحث عن تعادل موضوعي مع طبيعة هذه المستجدات على صعيد الفكر والمعرفة.

ولهذا كان ولا يزال مجموعة من أخيار الأمة، الذين حملوا على عاتقهم راية العمل الجاد والدؤوب، من أجل أن تبقى حالة الوعي في المجتمع والأمة حاضرة متوقدة واضحة المعالم، متشربة لمفاهيم الإسلام العظيم، ولكي يكون المسلم في جميع مستوياته الحضارية فاعلاً ناجزاً، قائماً بدوره على أكمل وجه.

ومن جملة أولئك القلائل الذين سعوا ولا زالوا يسعون ويجاهدون في هذا الطريق الجليل، سماحة الأستاذ الشيخ حسن الصفار، والذي هو غني عن التعريف، فهو أحد الساعين إلى بث حالة الوعي الإسلامي الجديد في ضمانة تأصيلية المنهج.

وهذا البحث الذي بين أيدينا غيض من فيض هذا الرجل الذي أعطى من جهده وجهاده الكثير في سبيل رفعة وعزة الإسلام وأهله، فهو الخطيب البارع الذي عرفته منابر الخطاب الجماهيري بخطابه المميز، والذي ساهم ومن خلال خبرته المنبرية الطويلة التي تجاوزت العقدين من الزمن، في تطوير حالة الخطاب المنبري إلى قسماته المعاصرة والقائمة على جدة البحث الموضوعي لمختلف القضايا والآراء، بل ذهب بعيداً حينما طبق مناهج وقواعد وأصول البحث العلمي ضمن صيغته الشفهية.

ولم يكن كل هذا الجهد والمسؤوليات مانعاً لسماحته من الإضافة الكتابية العديدة، الذي أضاف من خلالها الكثير إلى المكتبة الإسلامية، وهذا البحث الذي نحن بصدد التقديم إليه دليل على ذلك، فما إن اقترحنا على سماحته أن يجتهد معنا من أجل تحويل مجموعة من محاضراته القيمة في شتى المواضيع التي يتصدى لها بالبحث على الصعيد المنبري، في كثير من المواضيع الهامة، حتى وافق على ذلك، ورغم ازدحام وقت سماحته وكثرة التزاماته، إلا أنه مجيب دائماً إلى كل ما من شأنه تحقيق المصلحة العامة للفرد والمجتمع.

فهذا البحث هو أحد محاضرات سماحة الشيخ العامة، والتي عادة ما تخاطب الجمهور العريض في مختلف مستوياته، والذي قام بنفسه بالإشراف عليه وإعادة صياغته، وتهميشه وتوثيقه، حتى خرج البحث في صيغته النهائية للنشر وأُلقيت هذه المحاضرة في القطيف بتاريخ 2/1/1416 هـ.

وأما الموضوع فهو حول (الوطن - والمواطنة ، الحقوق والواجبات) هذا الشاهد الغائب في مساحة الوعي الإسلامي، وأحد المواضيع الشائكة والعالقة في علاقة الإنسان المسلم بوطنه ومواطنيه من جهة، وعلاقته بأمته من جهة أخرى، خاصة في هذه المرحلة الحرجة، والتي غابت فيه حالة الأمة الواحدة ودار الإسلام الكبرى، إلى ضيق الدولة القطرية والتي تعززت فيه الحدود الفاصلة مما أدى إلى بروز تنظيمات وعلاقات ضيقت ذلك المفهوم الكلي لمعنى الوطن الإسلامي الكبير، ولذلك استوجب معالجة هذه القضية وهذه الإشكالية في تنظيم هذه العلاقة بين الإنسان ووطنه ومواطنيه في داخل إطار الدولة. وكان هذا البحث القيم لسماحة الشيخ حسن الصفار الذي نرجوا أن يقدم أجوبة على هذه المسألة، كما نرجوا أن نوفق وسماحة الشيخ، إلى إعداد سائر محاضراته القيمة التي تعالج مختلف المسائل والقضايا الاجتماعية الهامة كي تأخذ طريقها النشر في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.
ذاكر آل حبيل


القطيف 15/ شعبان / 1416 هـ








مقدمة



أودع الله تعالى في هذا الإنسان غرائز وميول ورغبات، وبهذه الغرائز والميول يشق الإنسان طريقه في هذه الحياة، وهذه الغرائز إنما تحتاج إلى توجيه وتقنين، ولذا فوجودها ضروري للإنسان. مثلاً غريزة حب الذات هذه الغريزة وجودها ضروري لحياة الإنسان لأنه بهذه الغريزة يحمي الإنسان نفسه، وبها يدافع عن وجوده، كما يطور من خلالها ذاته ويرتقي بها نحو التقدم

والنجاح، إذاً لا بد من غريزة حب الذات أن تكون حاضرة في حياة الإنسان، لكنها تحتاج إلى توجيه وإرشاد وتقنين لكي لا يتجاوز الإنسان بها الحدود.

مثال آخر الغريزة الجنسية، والتي بها يكون استمرار التناسل البشري، وبقاء النوع

الإنساني، فهذه أيضاً غريزة أخرى لا بد من وجودها في حياة الإنسان، لكنها تحتاج إلى توجيه وإرشاد وتقنين لكي تكون في مسارها الصحيح والطبيعي. وهكذا سائر الغرائز والميول.

ومن الغرائز المودعة في نفس الإنسان حب الإنسان لوطنه وبلاده، وهي موجودة في نفس كل إنسان، انه يحب بلده، يحب وطنه، يحب الأرض التي ولد فيها ونشأ عليها وتربى وترعرع في ربوعها، هذه الغريزة الطبيعية في حب البشر لأوطانهم، لاحظها العلماء أيضاً بالنسبة لكثير من أنواع الحيوانات، وهي من ضروريات هذا الوجود الإنساني على هذه الأرض.. يقول الإمام

علي (ع).. (عمّرت البلدان بحب الأوطان) (1).. فلولا هذه الغريزة ووجودها في نفس الإنسان لما عمرت وازدهرت البلدان ولما ارتقى هذا الإنسان إلى كمالاته الحضارية التي شهدتها هذه الأرض والتي لا تزال تشهدها، وسيبقى إعمار الإنسان لهذه الأرض تبعاً لوجود هذه الغريزة في نفس الإنسان وحياته، والتي بسببها نرى هذا الميل والانشداد الواضح والقوي لبلد هذا الإنسان ووطنه.


ما هو الوطن؟ ما هي المواطنة؟



جاء في تعريف مسمى (وطن) في لسان العرب لأبن منظور القول بأن وطن: الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله،.. والجمع أوطان. وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها،.. وطن بالمكان وأوطن أقام،.. وأوطنه اتخذه وطناً. يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها، وأوطنت الأرض ووطنتها توطيناً وأستوطنها أي اتخذتها وطناً. (2)

أما في الاصطلاح السياسي المعاصر فيقصد بالوطن " الجهة التي يقيم فيها الشخص دائماً أو التي له بها مصلحة أو فيها مقر عائلته ".(3)

والمواطنة - المواطنية: هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماءه إلى.(4) وفي القرآن الكريم لم يستعمل لفظ (وطن)، ولكن قد يستعمل لفظ (بلد).

وهناك سورة في القرآن باسم سورة (البلد) وهي السورة رقم (90) في المصحف الشريف، يقول تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } (5). ومنها ] بلدة وبلاد [ (6). كقوله تعالى: { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } (7)، وقوله تعالى: { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ } (Cool

كما استعملت لفظة (ديار) يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا }.(9)

ومن الحديث الشريف يمكننا الاستشهاد بالحديث المتداول والمشهور وهو: ((حب الوطن من

الإيمان)) (10) فمن المظاهر الإيمانية للإنسان أن يحب وطنه - وبلده.



حب الوطن



حينما نطالع التاريخ الإنساني للشعوب والمجتمعات، نجد في صميم ثقافتها وآدابها مساحة واسعة عبرت من خلالها تلك الشعوب والمجتمعات عن حبها وعشقها لبلدانها وأوطانها، وعن تعلقهم بتراب الأرض الذي نشأوا منه وتربوا فيه وكانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه وتطرحه في الماء إذا شربته وكذلك كانت فلاسفة اليونان تفعل ذلك وقال الشاعر في هذا المعنى:



بعفة زاد في بطون المزْاود

نسير على علم بكنه مسيرنا

من الترب نسقاها لحب الموالد (11)

ولا بد في اسفارنا من قبيصة



كما أن حب الإنسان لبلده ليس له علاقة بتلك الميزات الخاصة لكل بلد من البلدان، فلربما تكون ميزات بعض البلدان من المنظور الاقتصادي أو الموقع الجغرافي أو حتى الجمالي الطبيعي أو غير ذلك أكثر من بعض، وربما يكون لهذا البلد أو ذاك أقل الحظ من هذه الميزات، ولكن البلد كبلد يحبه مواطنوه ويتعلقون به وينشدون إليه.. وكما يقول الشاعر:



وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

وكنا الفناها ولم تك مألفاً

هواء ولا ماء ولكنها وطن (12)

كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها



فحتى لو كان مناخ هذا الوطن وتضاريسه ليس بأحسن من غيره من البلدان بل حتى لو كان أسوأ من غيره لهذه أو تلك من الأسباب، حتى لو كان كذلك، لكفى أن يعشقها الإنسان لمجرد أنها مسقط رأسه، ولأن جذوره ضاربة في أعماقها، فهو في حالة انشداد دائم نحوها، وهو يميل إليها كل الميل دون سواها.. قال الشاعر:



إلى وسلمى أن يصوب سحابها

احب بلاد الله ما بين منعج

وأول أرض مس جلدي ترابها

بلاد بها نيطت علي تمائمي





وقال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى أحد الرزق. ومن الكلام القديم: لولا الوطن وحبه لخرب بلد السوء (13).

والوطن يرتبط في وجدان الإنسان بذكريات طفولته ومرحلة صباه وفترة شبابه وهي ذكريات عزيزة غالية، يقول ابن الرومي:



مآرب قضاها الشباب هنالكا

وحبب أوطان الرجال اليهم

عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا (14)

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم



الإخراج من الوطن وتشريع الجهاد



أن يعيش الإنسان في ربوع وطنه، وأن يتمتع بالحياة في بلده ومسقط رأسه فذلك حق طبيعي، لا يحق لجهة أن تصادره.

ويندد الله تعالى بالمتسلطين الكافرين الذين يُلجئون المؤمنين المواطنين إلى ترك أوطانهم لا لشيء إلا لتميزهم العقيدي والديني فاختلاف العقيدة والدين لا يبرر الحرمان من الوطن ومصادرة حق الإنسان في العيش في وطنه.

فقوم نبي الله لوط (عليه السلام) توعدوه والمؤمنين به بأن يخرجوهم من بلادهم نكاية بهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله وخالفوا السلوك المنحرف الشاذ لقومهم: { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } (15).

{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } (16).

ونبي الله شعيب (عليه السلام) كذلك شهر أمامه المتسلطون سلاح الإبعاد عن الوطن لإخضاعه لآرائهم الفاسدة بالإكراه { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } (17).

ويبدوا أن هذا هو منهج جميع المتسلطين الكافرين تجاه الأنبياء والمؤمنين يقول تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } (18).

وهنا يشرع الإسلام الجهاد والقتال للإنسان دفاعاً عن هذا الحق الطبيعي: حق العيش في الوطن، ويدعو إلى إعلان الحرب على المتسلطين الذين يحرمون المواطنين الأبرياء من نعمة الحياة في بلادهم وديارهم.

يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا } (19).

ويقول تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (20).

وهذه الآيات الكريمة من سورة الحج تعتبر أول تشريع للجهاد في الإسلام.


الدين وحب الوطن



هناك علاقة وثيقة بين التدين وحب الوطن، لأن الدين الحقيقي ينعكس أثره على علاقات الإنسان مع الأشياء من حوله، فتصبح تلك العلاقات قويمة واضحة، لذلك يكون حب الوطن جزءاً من الإيمان ومظهراً من مظاهره وفقاً للحديث الشريف ((حب الوطن من الإيمان)) (21).

ولماذا لا يحب الإنسان وطنه ولا ينشد إليه؟ وقد ابتنى جسمه من غذائه وارتوى من مائه، واستنشق عبير هوائه؟ إن في ذلك دلالة على حالة من اللؤم وعدم الإنصاف. بينما يكون التعلق بالوطن والمحبة له أثر لتجذر الكرامة في نفس الإنسان يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ((من كرم المرء.. حنينه إلى أوطانه)) (22) وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه مكة المكرمة والهجرة إلى المدينة المنورة، عبر عن مشاعره الجيّاشه تجاه موطنه، وأبرز مدى تعلقه به، وألمه لفراقه كما عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند خروجه من مكة وقف على الحَزوَرَة (سوق بمكة) فقال:

((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)) (23).

وذكر ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري في كتابه تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام في باب بعنوان (الشوق والحنين إلى الأوطان والوله إلى الأهل): أنه قدم أبان بن سعيد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة؟

- فقال تركتهم وقد جيدوا، تركت الإذخر وقد اعذق، تركت الثمام وقد خالص، فاغرورقت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (24).

وكان يقال: ((ميلك إلى مولدك من كرم محتدك)) (25).

وحينما يتحدث الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) عن جهاد جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهوده يشير إلى فراق الوطن والغربة عنه كمفردةٍ بارزةٍ في معاناة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (عليه السلام) في الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجادية: ((وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النأي عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه لإعزاز دينك)) (26).

وأيضاً في دعائه لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب الإمام زين العابدين لهم من الله الأجر والشكر لتحملهم عناء الهجرة عن أوطانهم فيقول: ((واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم)) (27) ويعلق أحد العلماء الأعلام على هاتين الفقرتين من دعاء

زين العابدين (عليه السلام) بقوله: مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة هاجروا إلى المدينة قاعدة الإسلام ومركز دولته وعبر عنها الإمام (عليه السلام) بأنها (بلاد الغربة) (28).

وروي انه (صلى الله عليه وآله) لما خرج منها (مكة) مهاجراً التفت إليها وظن انه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبرائيل (عليه السلام) وتلا عليه قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم (عليه السلام) فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال له: أتشتاق إلى مكة؟ قال: نعم. فأوحاها إليه (29).


حدود الوطن



تقع حدود الوطن في وعي الإنسان المسلم بين ثلاث دوائر متداخلة:

الدائرة الأولى: الانتماء العقيدي، فالأمة الإسلامية أمة واحدة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي } (30)، وبلادهم وطن للمسلمين جميعاً ،وكل أرض تحت سلطة المسلمين فهي دار الإسلام.

وكان المسلمون سابقاً يعيشون هذا المفهوم العقيدي للوطن كواقع فعلي، حيث لم تكن هناك كيانات سياسية متعددة، ولا حدود جغرافية فاصلة، ولا تمايزات إقليمية تعوق حركة المسلم في بلاد المسلمين، وكان المسلم يتنقل من طنجة في الشمال الإفريقي إلى جاكرتا في جنوب شرق آسيا دون جواز سفر، أو تأشيرة دخول، ولا يقف عند حدود جمركية، ولا يحتاج إلى تبديل عملة نقدية.

لكن الدولة الإسلامية قد تجزأت اليوم إلى خمسين دولة، بسبب الانحراف والابتعاد عن تعاليم الإسلام، ولسيطرة التخلف ومؤامرات الأعداء. وأصبحت الحدود المفتعلة بين الدول الإسلامية حاجزاً ضخماً يحول دون وحدة هذه الأمة وتكاملها السياسي والاقتصادي.

بل أصبحت ألغاماً متفجرة تنشب بسببها الحروب الطاحنة والصراعات الدامية بين فترة وأخرى وقريب جداً ما حصل من حرب ضروس بين العراق وإيران استمرت لثمان سنوات وذهب ضحيتها أكثر من مليون مسلم من الشعبين، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تقدر بمئات المليارات.. ثم ما حدث من غزو العراق للكويت والذي أربك العالم العربي والمنطقة بالخصوص وأعادها عشرات السنين إلى الوراء..

فعلى الصعيد الاقتصادي فقط كشف صندوق النقد العربي أن العرب خسروا (676) مليار دولار نتيجة الأزمة وحرب الخليج عامي 1990 م و 1991م. فقد بلغت خسائر العراق الاقتصادية (240) مليار دولار بينما لحقت بالكويت (237) مليار دولار. وان العالم العربي ككل خسر نحو (91) مليار دولار (31). ولا تزال العديد من مشاكل الحدود بين أكثر من دولة عربية وأخرى قائمة وعالقة.

ويمكن القول بكل مرارة وألم أن الوطن الإسلامي بحدوده العقائدية أصبح الآن مجرد ذكريات عزيزة من تاريخنا الماضي وحلم وأمنية نتطلع إلى تحقيقها في المستقبل، نعم هناك مشاعر جيّاشة وأحاسيس فياضة تنبض في قلوب المسلمين الواعين تجاه بعضهم فتدفعهم إلى الحد الممكن من التواصل والتعاون في ظل حدود التجزئة القائمة والمفروضة.



الدائرة الثانية: الكيان السياسي: حيث يعيش كل إنسان ضمن دولة يحمل جنسيتها، وترتبط قضايا حياته ومستقبله ومصيره بهذا الكيان، وإذا كان الإنسان المسلم يتمنى أن تندمج هذه الكيانات الإقليمية ضمن كيان إسلامي واحد كبير، فإن ذلك لا يعني أن لا يتحمل مسئولية تجاه هذا الكيان الذي يعيش ضمنه، ويتأثر بواقعه وأوضاعه ويشترك مع سائر المواطنين

فيه سلباً وإيجاباً.

إنه المصداق الأبرز والأقرب للوطن حسب الواقع المعاش.



الدائرة الثالثة: الوطن العرفي: وتعني البلد والمنطقة التي ولد الإنسان ونشأ فيها مدينة كانت أو قرية، وإليها عادة تنشد مشاعر الإنسان ويتركز حنينه وشوقه، فحتى لو انطلق ضمن الدائرة الثانية يبقى منجذباً إلى هذه الدائرة.

فنرى مثلاً أن المواطن عندنا قد يعيش ضمن أي منطقة من مناطق الوطن بداعي الدراسة أو الوظيفة أو أي سبب آخر لكنه يظل يتحين الفرصة للعودة إلى مدينته أو قريته والتي قد تكون أقل تطوراً وعمراناً من المنطقة التي أقام فيها.

وهذه الدوائر الثلاث متداخلة والانتماء والولاء لكل دائرة منها لا يتناقض مع الولاء والانتماء للدائرة الأخرى بل يتكامل.

بيد أن بعض التوجهات السطحية والمتطرفة قد تدفع باتجاه التناقض والتعارض بين هذه الدوائر، لكن الوعي السليم، والنظرة الواقعية تجعل الإنسان مواطناً صالحاً وفياً ضمن هذه الدوائر جميعاً.

وكما يقول أحد المفكرين: " إن الانتماء الأكبر لا يعني إنكار وجود انتماءات ثانية وصغرى وفرعية.. فتلك حقيقة تشهد عليها الفطرة السليمة لدى الإنسان، فلدى المسلم السوي، الذي يمثل الانتماء الإسلامي هويته الأولى وجامعته العظمى، إحساس فطري بأن له انتماءات وولاءات صغرى وفرعية، تلي الانتماء الإسلامي، ولا تتعارض معه.. فالأمة الإسلامية كالجسد

الواحد، لكن لهذا الجسد أعضاء، لا ينفي تميزها وتفاوتها وحدة هذا الجسد..

والفطرة الإنسانية تشهد على أن للإنسان منا ولاء وانتماء إلى "الأهل" بمعنى الأسرة والعشيرة.. وإلى "الشعب" في الوطن والإقليم الذي تربى ونشأ فيه.. وإلى "الأمة" -الجماعة- التي يتكلم لسانها ويشترك معها في الاعتقاد الديني.. ثم إلى الإنسانية التي خلقه الله وإياها من نفس واحدة.

تشهد الفطرة السليمة. لدى الإنسان السوي على ذلك دونما تناقض أو تعارض بين هذه "الدوائر" في الولاء والانتماء ".. فهي أشبه ما تكون بدرجات سلم واحد، يفضي بعضها إلى بعض، وتدعم إحداها الأخرى، بشرط أن تخلو مضامينها من الشطحات العنصرية ونزعات الغلو في التعصب، التي تقطع الروابط بين هذه الدوائر.. فلا مشكلة في تعدد دوائر الانتماء، طالما قام وربط بينها الانتماء الأكبر وهو الانتماء إلى الإسلام...

فالإنسان إذا عاد إلى فطرته السليمة فإنه سيجد حنيناً خاصاً إلى المكان الذي ولد فيه، وولاءاً للوطن الذي ضمن له الرعاية والحماية والخدمات، وانتماءاً للوطن الأكبر الذي كونت ذكريات انتصاراته وطموحاته وآماله وآلامه مخزون التاريخ والتراث.... " (32)


واجبات تجاه الوطن



أولاً: إعلاء كلمة الله في بلدك: يطمح الإنسان إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى فوق كل الأرض، وفي جميع أنحاء العالم ولكن الأرض التي يعيش فيها هي أقرب إليه، وهو الأقدر على أن يمارس هذا الدور فيها، صحيح أن واجب الدعوة والهداية هو واجب الإنسان المسلم تجاه العالم كله، ولكنه يجب أن يبدأ بالأقرب إليه،.. { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } (33).. { قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } (34).. { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } (35)، فواجب الإنسان المسلم أن يحاول في إعلاء كلمة الله، أول ما يحاول في بلده ووطنه، فينشر فيه الخير والمعروف، ويدعو إلى الصلاح و الإصلاح.

ثانياً: الدفاع عن الوطن أمام المعتدين: يجب على الإنسان إذا ما تعرض وطنه وبلده إلى الاعتداء، أن يتحمل كامل المسئولية في الدفاع عن أرضه، والذود عن حياضه، وإذا لم يدافع عن بلده ووطنه فمن الذي يدافع عنه، هل سيدعو الآخرين إلى أن يدافعوا عنه ويحموه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يخاطب أولئك المتخاذلين عن الدفاع عن ديارهم وبلدانهم فيقول: ((أي دار بعد داركم تمنعون)) (36) ، ويقول (عليه السلام): ((فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا)) (37).

ثالثاً: التعاون مع المشاركين لك والمشتركين معك في وطنك: لا يعيش الإنسان منا في وطنه وعلى أرضه وحيداً كفرد، ولكن هناك آخرون يعيشون ويشتركون معنا في ظلال هذا الوطن، لنا ما لهم، وعلينا ما عليهم، وهم يحبون الوطن كما نحب، وينشدون إليه كما نحن منشدون إليه، وعلاقتنا بأرض الوطن هي علاقتهم به أيضاً، وهي القاسم المشترك بيننا وبينهم، وأن كانت العقيدة هي القاسم الأكبر والأعظم في إطار علاقتنا جميعاً، ولكن حتى لو لم تكن العقيدة واحدة، فالاشتراك معهم في العيش على أرض واحدة ووطن واحد، يوجد علاقة معينة، وارتباطاً إنسانياً لا بد منه، مع اختلاف العقيدة والدين.. و لذلك نرى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما هاجر إلى المدينة، وأقام المجتمع الإسلامي هناك، عمل صحيفة معروفة في السير والتاريخ (بصحيفة المدينة)، الصحيفة التي تحدثت عن علاقة المسلمين فيما بينهم ثم عن علاقتهم مع بطون اليهود المقيمين آنذاك في المدينة، ومما جاء في تلك الوثيقة الصحيفة..

قال ابن اسحاق: وكتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتاباً بين المهاجرين

والأنصار، وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم:

((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس... وانه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم... وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جُشَم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته... وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم...)) (38).

قال الدكتور وليم سليمان قلادة المحامي ونائب رئيس مجلس الدولة المصري سابقاً في محاضرة ألقاها في مركز اتحاد المحامين العرب للبحوث والدراسات القانونية في القاهرة وطبعت ضمن كتاب (التسامح الديني والتفاهم بين المعتقدات) سنة 1986 م قال تعليقاً على صحيفة المدينة:

((هذا نص اعتقد أنه لا يختلف مطلقاً عن النص الذي يقول أن هناك وحدة وطنية مع تعدد الأديان)) (39).

وللعلامة المعاصر الشيخ محمد مهدي شمس الدين دراسة قيمة حول هذه الصحيفة تناولها فيها من حيث السند والمصادر ومن حيث المتن والفقرات ومن حيث المعاني والدلالات ضمن كتابه القيم (في الاجتماع السياسي الإسلامي) (40).

فمع كونهم يهوداً ولكن الرسول أجرى معهم عقداً وطنياً ملزماً لماذا؟... لأنهم يشتركون مع المسلمين في وطن واحد يريد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل من هذا العيش المشترك على أرض المدينة محمياً من أي تصدع وخلاف، فألزم الجميع بتلك الوثيقة النموذج، للعيش المشترك على أرض المدينة لأنها وطن الجميع من مسلمين وغيرهم...

وفي مثال آخر نجد قضية الجوار فحق الجار وحسن الجوار الذي هي في التشريع الإسلامي ليست مقيدة بالاتفاق في الدين، ويعني ذلك أن الجار له حقوق علينا بغض النظر إن كان مسلماً أو غير مسلم، فليس ضرورياً أن يكون جارنا يدين بنفس الدين لكي يصدق عليه ذلك العنوان، فحتى لو كان لنا جار غير مسلم فنحن ملزمون بعلاقة حسن الجوار وبكامل الحقوق له من قبلنا، فقد روي أن غلاماً لابن عباس ذبح شاة، فقال له ابن عباس: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي.

ثم كررها حتى قال له الغلام: كم تقول هذا؟ فقال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل يوصينا بالجار، حتى خشينا أنه سيورثه.

فابن عباس بنص هذا الخبر كان مجاوراً ليهودي، وكان يهتم بالإهداء إليه، كما يهتم بسواه، مراعاة لحرمة الجوار، ومعنى هذا أن الإسلام لا يفرق في مكارم الأخلاق وحقوق الاجتماع بين مسلم وأي مخالف آخر فالكل في نظره سواء (41).

فحتى لو خالفنا جارنا في الدين، إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون له نفس الحقوق التي للجار المسلم، إذ العيش المشترك على أرض واحدة، وفي جوار واحد، يوجب تلك العلاقة المشتركة في طبيعة التعاون والحقوق المتبادلة، وكلما كان الشعور بهذه العلاقة أكثر نضجاً، كان المواطنون أقدر على تحقيق الوحدة الوطنية، وبالتالي يكونون أكثر فاعلية في خدمة وبناء وطنهم، فبين أبناء الوطن الواحد تكون الآمال والآلام مشتركة ومتوحدة لذا نجد الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) يتألم للمرآة غير المسلمة -المعاهدة- كما يتألم للمرأة المسلمة على حد سواء وذلك حينما بلغه غزو جيش معاوية للأنبار واعتدائه على أهاليها يقول (عليه السلام): (ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعشها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ". (42)

فالإمام علي يذكر آلام المرآة المسلمة إلى جانب المرآة المعاهدة من غير المسلمين، لأن الإمام علي (عليه السلام) يريد أن يبين أن اشتراكهم في أرض واحدة ووقوعهم تحت نير ظلم وغزو واحد من قبل جيش معاوية، جعل مصير الآلام واحدة أيضاً، وإحساس الإمام (عليه السلام) تجاههم واحداً أيضاً، فالازم أن يكون شعورنا واحداً تجاه من يشتركون معنا في وطن واحد، مبنياً على التعاون الذي من شأنه أن يرفع عزة أوطاننا وبلداننا. فالوطن للجميع، المصالح واحدة، والخطر مشترك، والوطن كالسفينة الواحدة التي إذا تعرضت لأي خطر فالخطر على الجميع والنجاة للجميع.

إذاً ما دام الوطن للجميع والخطر والخير للجميع أيضاً، فهذا الشعور المشترك بالخير والخطر، يجب أن يجعل الجميع في حالة تعاون دائم لدرء الخطر والعمل من أجل حصد الخير والمكاسب الحسنة، ومن السخف بمكان أن يؤدي اختلاف الرأي أو اختلاف المذهب أو اختلاف التوجه، للانقسام والصراع داخل البلد الواحد، هذا غير صحيح وهو خلاف للدين والعقل، فالدين والعقل يدعوان للتعاون ولتظافر الجهود من أجل الخير، كما يدعوان أيضاً إلى التوحد والوحدة، ما دام هناك سبب مشترك، وحتى لو لم يكن هناك عقيدة كاملة مشتركة في كل التفاصيل، فالاشتراك في الأرض الواحدة والوطن الواحد لابد أن يخلق علاقة طيبة

وإيجابية..، والحكومات الواعية المخلصة لمصلحة الوطن ووحدته، هي التي يجب أن تعزز من شأن التعاون والوحدة بين المواطنين، تدعيما لأمن الوطن من الخلافات الداخلية، ولاستقراره الدائم، الذي ينعكس على عزة ونمو البلد ورفعته وتقدمه، ورد في الحديث (خير الولاة من جمع المختلف، وشر الولاة من فرق المؤتلف).



رابعاً: أن يعمل الإنسان في سبيل تقدم وطنه ورفعة شأنه:

الأوطان تعز بأبنائها، وتتقدم بهممهم وسواعدهم، فإذا ما تحرك أبناء الوطن وتفجرت طاقاتهم المبدعة، وكفاءاتهم العالية وخدموا وطنهم فلابد أن يتقدم الوطن ويعلو شأنه، أما إذا بخل أبناء الوطن، وتخلفوا عن ذلك، فسيؤدي ذلك التخلف، إلى التأخر والانحدار على المستويين الخاص والعام. فالواجب يحتم أن يتقدم الإنسان بعمله، لأجل أن يتقدم بلده ووطنه في شتى المجالات، فالعالم لا بد أن يظهر علمه ويعمل به من أجل خدمة وطنه وأبناء وطنه، والتاجر وصاحب المال لا بد وأن يستثمر أمواله وثروته لصالح بلده ووطنه، فإنشاء المشاريع وسد الاحتياجات الاقتصادية التي يحتاج إليها الوطن من تصنيع وإقامة الأعمال الناجحة والفاعلة كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى خير الوطن اقتصادياً وصناعياً، أما إذا تكدست الأموال وتجمدت في المصارف والبنوك، فسيؤدي ذلك إلى تخلف وتأخر هذا الوطن، إذاً فعلينا جميعاً أن نسعى كأفراد وجماعات لإجادة العمل وإتقانه، ورفع كفاءتنا المتخصصة علمياً وفنياً في جميع المجالات، من أجل ذلك الهدف النبيل السامي وهو خدمة الوطن والمساهمة الحقيقية والناضجة في رفعته وتقدمه.


حقوق المواطن



أولاً: الكرامة: إذا توفرت للإنسان أسباب ومدارك الكرامة، وشعر بأن كرامته محظية بالاحترام، يكون ذلك سبباً في انشداده إلى تراب وطنه ويعمق إحساسه بالانتماء إليه والولاء للجماعة فيه إذ يقر لهم بالاحترام مقابل احترامهم له..، القرآن الحكيم يتحدث عن أولئك الناس الذين تصادر كرامتهم في أوطانهم، ولا يكونون قادرين على الدفاع عن حرياتهم الأساسية في بلادهم، فهم مخيرون بين العيش في الوطن أذلاء مهانين أو الهجرة عنه طلباً لأجواء الحرية والكرامة، وحينئذ فالخيار الثاني هو المطلوب يقول تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (43)

فالإنسان يجب أن لا يرضى لنفسه الإذلال والاستضعاف، وأن تصادر كرامته، إنما ينشد إلى

وطنه، حينما تتوفر له الكرامة فيه، واحترام الآخرين له.



ثانياً: الأمن: كلما شعر الإنسان بالأمن على نفسه وماله وعرضه، كلما زاد ذلك في حبه وانشداده وتعلقه بوطنه بل وأصبح أعمق وأكثر، وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا خير.. في الوطن إلا مع الأمن والسرور). (44)



والإمام علي (عليه السلام) يؤكد ذلك بالقول: (شر الأوطان ما لم يأمن فيه القطان) (45) فإذا لم يشعر الإنسان بالأمن في هذا الوطن ومع كل انشداده النفسي والطبيعي، سيكون مضطراً إلى الخروج منه، لأن عدم الأمن يحرمه نعمة الاستقرار المكفولة لإنسانيته.. فالمسلمون الأوائل لماذا اضطروا للهجرة إلى الحبشة، لأنهم افتقدوا الأمن في مكة، فإيذاء قريش بلغ حداً كبيراً جعلهم يهاجرون إلى الحبشة، ولذلك أيضاً هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة بعد أن فقد الأمن على نفسه.



إن هذا المثال في فقدان الأمن في الأوطان لا زال يتكرر في كل زمان ومكان مادام الصراع بين الحق والباطل قائماً، وكما نرى في عالمنا المعاصر كم من الناس يعيشون مشكلة اللجوء في بلدان أخرى غير بلدانهم، بسبب عدم توفر الأمن والسلامة على أنفسهم وأموالهم أهلهم، وذلك إما لسيطرة عدو ظالم أو وجود فتن ومظالم فيضطرهم ذلك إلى ترك أوطانهم والبعد عنها. ومما يدعو إلى الأسف والحزن أن نقرأ في إحصائية المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.. بأن 60 % من اللاجئين في العالم هم من المسلمين أي ما يقارب 18 مليون لاجئ في العالم.. (46) كل ذلك بسبب ماذا..؟ !! إنه بسبب الظلم والعدوان، وعدم الأمن في الأوطان التي للأسف تسمى إسلامية، كما استدعت الضرورة أن يلجئ الإنسان المسلم في كثير من الأحيان إلى دول أخرى غير إسلامية طلباً في الأمن والحرية على نفسه وماله وعرضه، فأي مأساة تلك التي نعيش فيها نحن المسلمين..؟! فنعمة الأمن في الوطن نعمة كبيرة يطمح إليها لإنسان ويطلبها ويحافظ عليها، ولذلك يبتهل المؤمن إلى ربه طالباً منه توفير نعمة الأمن له في وطنه كما نقرأ في دعاء سحر رمضان المبارك للإمام زين العابدين علي ابن الحسين (عليه السلام) (اللهم واعطني السعة في الرزق والأمن في الوطن) (47).



ثالثاً: الكفاية الاقتصادية: للإنسان في حياته متطلبات واحتياجات مادية، والمفروض أن تتوفر له كفاية المعاش في بلاده لينعم بالعيش فيها وليصرف جهده وطاقته في عمرانها وتقدمها، لكنه حينما يفتقد ذلك في بلاده لأسباب مختلفة فهو إما أن يعيش الفقر والحاجة، وإما أن يغادر وطنه بحثاً عن لقمة العيش ومتطلبات الحياة..



إن توفر فرص العمل للمواطن، وقدرته على تحصيل متطلبات الحياة في بلده مظهر من مظاهر السعادة كما يقول الحديث الشريف عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام): (من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده) (48)



بينما حياة الفقر في الوطن فيها من القسوة والعناء، ما يوازي ألم الغربة عن الوطن يقول الإمام علي (عليه السلام): (المقل غريب في بلدته) (49).

وقال (عليه السلام): (الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة) (50).

فإذا ما ضاق على الإنسان رزقه في بلده فسيعيش كأنه غريب، وفي المقابل إذا ما توفرت له كفاية المعاش في بلد آخر فسيكون له ذلك البلد الذي اغترب إليه وطناً بديلاً، ونحن نرى الآن كم أيدٍ عاملة وخبرات علمية تضطر إلى الاغتراب عن أوطانها بحثاً عن رزقها وكفايتها الاقتصادية انهم كأي بشر يعشقون أوطانهم ولا يرغبون في فراق ذويهم لكن الحاجة تضطرهم إلى ذلك.

من هنا كانت دعوة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) لمكة المكرمة بعد بنائه البيت الحرام تنص على مطلبي الأمن وكفاية المعاش كما ينقلها القرآن الكريم (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) (51).

اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.



ـــــــــــــــــــــــ

(1) - محمد باقر المجلسي / بحار الأنوار - ج: 75 ، ص: 45 ، الطبعة الثانية / مؤسسة الوفاء / بيروت 1983 م.

(2) - ابن منظور: لسان العرب ، المجلد 13 - حرف " ن " ص: 451 ، دار صادر بيروت.

(3) - القاموس السياسي: أحمد عطية الله ، مادة ( موطن ) ص: 1268 ، دار النهضة العربية ، ط: 3.

(4) - الموسوعة السياسية: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، المجلد 6 ، مادة ( مواطنة ) ص: 373 ، ط: 1 - 1990م.

(5) - سورة البلد / آية: 1-2.

(6) - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي - مادة ( بلد ) ص: 133 - 134.

(7) - سورة سبا / آية: 15.

(Cool - سورة الفجر / آية: 8.

[color:c84e=
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اسامه المخلافي
^°¤§©¤عضو محترف¤©§¤°
^°¤§©¤عضو محترف¤©§¤°
اسامه المخلافي


مدير عام
الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Sans_t13
إحترام قوانين المنتدى الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 111010
الدولـة : اليمن
مهنتي : جامعي
هوايتي : الشطرنج
الجـنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 385
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 516
تاريخ التسجيل : 26/09/2010
العمر : 37
أوسمتي :
الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Caeaco11


الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوطن والموطنه الحقوق والواجبات   الوطن والموطنه الحقوق والواجبات I_icon_minitime2010-09-30, 14:32

موضوع جميل وهادف اخي

بس كنت اتمنى منك تكبير الخط

لتزيد من متعة القارئ فجزاك الله عنا خير الجزاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسام الصلوي
~®§§عضو إداري §§®~
~®§§عضو إداري §§®~
حسام الصلوي


مدير عام
الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Sans_t13
إحترام قوانين المنتدى الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 111010
الدولـة : اليمن
مهنتي : مبرمج
هوايتي : السباحة
الجـنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 2576
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 4818
تاريخ التسجيل : 10/07/2010
العمر : 33
أوسمتي :
الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Caeaco11الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 1a5c2483211a

MMS ~ : الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Mms-24

الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوطن والموطنه الحقوق والواجبات   الوطن والموطنه الحقوق والواجبات I_icon_minitime2010-09-30, 18:27

والله اقو لك مثل ما قال اخي اسامة


وشكراً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bestnet.ahlamontada.com
ماهر الطاهش
¤©§][عضو ذهبي][§©¤
¤©§][عضو ذهبي][§©¤
ماهر الطاهش


نائب مدير
الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Sans_t13
إحترام قوانين المنتدى الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 111010
الدولـة : اليمن
مهنتي : طالب
هوايتي : السباحة
الجـنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 936
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 1310
تاريخ التسجيل : 08/09/2010
العمر : 29

الوطن والموطنه الحقوق والواجبات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوطن والموطنه الحقوق والواجبات   الوطن والموطنه الحقوق والواجبات I_icon_minitime2010-10-02, 19:10

الوطن والموطنه الحقوق والواجبات 887769
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الوطن والموطنه الحقوق والواجبات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حب الوطن
» موضوع عن الوطن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بست نت :: اسلاميات :: تفتحات إيمانية-
انتقل الى: