طرق حفظ القرآن
الحفظ، وهو جوهر هذا الموضوع، و الحديث فيه عن الطريقة وعن الشروط اللازمة، و العوامل المساعدة، و نبدأ بالطريقة.
أولا: الطريقة من خلال التجربة ومن خلال ما نرى من عمل كثير من طلاب التحفيظ و الحافظين يمكن أن نرى أو نلقي الضوء على طريقتين اثنتين.
الطريقة الأولى
إحداهما طريقة الصفحة، نعني بذلك أن يقرأ مريد الحفظ الصفحة كاملة من أولها إلى آخرها قراءة متأنية، صحيحة، ثلاث أو خمس مرات بحسب ذاكرة الإنسان وقدرته على الحفظ، فإذا قراها هذه المرات الثلاث أو الخمس قراءة فيها استحضار قلب وتركيز الذهن و العقل و ليس مجرد قراءة لسان فقط كلا، إنما قد جمع قلبه وفكره لأنه يريد من هذه القراءة أن يحفظ.
فإذا أتم الثلاث أو الخمس أغلق مصحفه، و بدأ يسمع صفحته، و قد يرى بعضكم أن هذا لن يتم أو لن يستطيع حفظها بقراءة الثلاث أو الخمس، أقول نعم. سيكون قد حفظ من أولها و مضى ثم سيقف وقفة، أن يفتح مصحفه و ينظر حيث وقف فيستعين، و يمضى مغلقا مصحفه، ثم سيقف ربما وقفة ثانية، أو ثالثة، ثم ليعد تسميع الصفحة.
ما الذي سيحصل !، الموضع الذي وقف به أولا لن يقف فيه ثانيه، لأنه سيكون قد نقش في ذاكرته و حفر في عقله، فستقل الوقفات. و غالبا من خلال التجربة سيسمع المرة الأولى ثم الثانية و في الغالب أنه في الثالثة يأتي بالصفحة محفوظة كاملة بعد أن يقوم بمجموع ما قرأه ثمان مرات، ثلاث أو خمس في القراءة الأولية المركزة، ثم يبدأ بالخطوة الثانية بتسميع هذه الصفحة و سيقف كما قلت بعض الوقفات في أول مرة و في المرة الثانية و في الغالب أنه في الثالثة لا يقف.
ماذا يصنع في الخطوة الثالثة، أن يكرر التسميع الصحيح الذي أتمه في المرة الأخيرة ثلاث مرات تقريبا. فحينئذ يكون مجموع ما قرأ به هذه الصفحة في ذلك الوقت تسع مرات أو أحد عشر مرة.
إذاً يقرأ الصفحة قراءة مركزة صحيحه ثلاث أو خمس مرات ، ثم يسمعها في ثلاث تجارب أو ثلاث محاولات. ثم يضبطها في ثلاث تسميعات. و بذلك سوف تكون الصفحة محفوظة حفظا جيدا متينا مكينا إن شاء الله.
ما مزية هذا الحفظ أو هذه الطريقة، مزيتها أنك لا تتتعتع أو تتوقف عندما تصل الصفحات بعضها ببعض بعد ذلك. لأن بعض الاخوة يحفظ آنفا آية منفصل بعضها عن بعض، ما الذي يحصل ؟ عند كل آخر آية يقف حمار الشيخ في العقبة، و يحتاج إلى دفعة فتعطيه أول كلمة من الآية التي بعدها فينطلق كالسهم حتى يبلغ آخر الآية التي بعدها ثم يحتاج إلى توصيلة أخرى و هكذا. أما الصفحة فهي كاللوح أو كالقالب يحفظها في قلبه و يرسمها في مخيلته، و يتصورها أمامه من مبدئها إلى منتهاها ويعرف غالبا عدد آياتها، آية كاملة صفحة كاملة بعض الصفحات آيتين وبعضها ثلاث و بعضها آيات كثيرة ليس بالضرورة تصورها و لكن هذه الطريقة تجعله ، أولا يأخذ الصفحة كاملة بلا توقف يستحضرها تصورا فيعينه ذلك على حفظها ثم يتصورها كما قلت هل هي في الصفحة اليمنى أو اليسرى، بأي شيء تبتدئ و بأي شيء تنتهي وتحكم بإذن الله عز وجل إحكاما جيداً.
الطريقة الثانية
طريقة الآيات أو الآية، لا بأس بها و إن كنت أرى الأولى أفضل منها. ما هي هذه الطريقة، أن يقرأ الآية مفردة قراءة صحيحه مرتين أو ثلاث مرات، نفس الطريقة، لكن بآية واحده و طبعا لما كانت آية لا نحتاج أن نعيدها من ثلاث إلى خمس، مرتين فقط أو ثلاث ثم يسمع هذه الآية، ثم يمضى إلى الآية الثانية فيصنع بها صنيعه بالأولى، لكنه بعد ذلك يسمع الأولى و الثانية، ثم يحفظ الثالثة بالطريقة نفسها، يقرأها ثم يسمعها منفردة ثم يسمع الثلاث من أولها الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، ثم يمضي إلى الرابعة إلى آخر الصفحة.
ثم يكرر تسميع الصفحة ثلاث مرات. وحذار في هذه الطريقة أن ترى أن الآية الأولى قد أكثرت من ذكرها فلا عازة لتكرارها، بعضهم إذا بلغ نصف الصفحة قال النصف الأول مضبوط فلا يحتاج إذا حفظ الآية في النصف الثاني أن يعيد النصف الأول إلى الأخير. هنا لا يقف حمار الشيخ في العقبة في منتصف الصفحة و ثق من هذا تماما وجربه تراه شاهدا على كلامي. لا بد كل آية تحفظ في الصفحة أن تعاد من الأول إلى حيث بلغ، حتى يتم الصفحة ثم يأتي بها ثلاث مرات تسميعا كاملا.
تختلف هذه الطريقة عن الأولى أنها أبطأ في الغالب. أبطأ في الوقت فالصفحة في الطريقة الأولى تستغرق بالمعدل نحو عشرة دقائق، قد يقول قائل العشر قليلة، أقول عشر دقائق إذا كان يريد أن يحفظ أما إذا كان ينظر في الغادين و الرائحين و المتشاكلين و المتضاربين و يسمع هنا و.. هذا ولا مئة دقيقة و لا عشرة أيام يحفظ فيها شيء. أما الثانية فهي أبطأ و الغالب أنها تستغرق نحو خمس عشرة دقيقة لأنه سيكرر كثيرا.
أما من حيث التطابق فآخر الأمر أنه سيحفظ الصفحة كاملة و لكن هذه الطريقة أضعف إذا لم يصل الآية بالآية سيكون هناك ذلك التوقف الذي أشرت إليه، إذا هذه الطريقة من حيث الأصل حفظ الصفحة أو حفظ الآية و في آخر الأمر ستعود النتيجة إلى حفظ الصفحة.
أنتقل إلى النقطة الثانية وهي نقطة مهمة مكملة و هي الشروط اللازمة.
ثانيا: الشروط اللازمة
الشروط اللازمة لكي تكون هذه الطريقة صحيحة سواء اخترت الطريقة الأولى أو الثانية لابد من هذه الشروط.
الشرط الأول: القراءة الصحيحة
من الأخطاء الكثيرة أن كثيرا ممن يعتزمون الحفظ أو يشرعون فيه يحفظون حفظا خاطئا. لابد قبل أن تحفظ أن يكون ما تحفظه صحيحا، و هناك أمورا كثيرة في هذا الباب منها على سبيل المثال لا الحصر؛
أولا تصحيح المخارج: إن كنت تنطق ثم "سم" أو الذين "الزين" فقوم لسانك قبل أن تحفظ. لأنك إذا حفظت و أدمنت الحفظ بهذه الطريقة و واضبت ستكون جيدا في الحفظ لكنك مخطئا فيه. فلا بد أولا من تصحيح المخارج وتصحيح الحروف لا بد منه.
ثانيا ضبط الحركات: بعض الأخوة إما لضعف قراءته، أو لعجلته يخلط في الحركات، و هذا الخلط لا شك أنه خطأ و أنه قد يترتب عليه خلل في المعنى. و ذلك ليس من موضع حديثنا و لكن لا بد أن يتنبه المرء له و أن يحذر منه، و من ذلك أن اللغة العربية فيها تقديم و تأخير، وفيها إضمار و حذف وتقدير، وفيها إعرابات مختلفة، فأحيانا بعض الناس لا يتنبه، أحيانا مثلا تقديم المفعول على الفاعل ? وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات? البقرة 124- بعضهم يحفظها ? إبراهيمُ ? و ربُهُ أو ربَهُ بالنسبة له أحيانا قد لا تفرق، و ما حفظته خطئا فثق تماما أنه يثبت هذا الخطأ وبعد ذلك تصعب إزالته، يحتاج إلى عملية استئصال، مثل الذي يبني بناء ثم يتبين له أن هذا البناء خطأ لابد له أن يكسر و أن يصحح البناء، لابد أن يزيل الخطأ ثم بعد ذلك يصحح من جديد. لماذا تكرر الجهد مرتين و تعيد العمل مرتين، ابدأ بداية صحيحة. و هناك أمثلة كثيرة في مسألة ضبط الحركات، فإن هناك كثيرا من الأمثلة التي تقع في هذا الجانب كما في الضمائر أيضا. الضمائر عندما يقع الخلط فيها أيضاً يقع خلط في الحفظ غير مقبول مطلقا، كما يكون الضمير بالضم فيكون للمتكلم، أو يكون بالفتح للمخاطب كما في قوله تعالى ?وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ? المائدة 116- التاء في الضميرين الأولين مضمومة و في الضميرين الثانيين مفتوحة فأي تغيير بالحركة يغير المعنى.
كما يقرأ البعض (و كنتُ أنت الرقيب عليهم ) ما يمكن أن تستقيم أبدا وهكذا الكثير من الكلمات و الحركات تحتاج إلى الضبط ابتداء قبل أن يخطىء فيها.
أيضا هناك ضبط الكلمات و هو أشد و أخطر، الحركات منظوره يمكن أن يراها الإنسان و لكن بعض الكلمات إما لصعوبتها أو لأن هذا الحافظ لم يأخذ الأسلوب الذي سأذكره لاحقا، أو ليس متمرسا في تلاوة القرآن فإنه يحفظ الكلمة خطأ و من هذا قول الله عز وجل ? وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ? -القلم 51 - سمعت مرة من يقرؤها " ليزقلونك "، السبق بين الحروف يحصل وعندما يراها رؤية سريعة وهو لا يعرفها تثبت على هذه الطريقة، أحيانا بعض الكلمات ? أَنُلْزِمُكُمُوهَا ? هود 28- قد يستثقلها و يقرأها قراءة خاطئة و تختلف الحروف بهذه الطريقة. كذلك بعض الكلمات التي ربما ليس في القرآن إلا مثال واحد منها ? أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ ? يونس 35 - يقرأها "أم من لا يَهْدِي" لأنها كلها في القرآن يَهْدِى وما فيها يَهِدي فينتبه إلى مثل هذه الكلمات.
كذلك ما يتعلق في الرسم كما في البقرة (52) ? فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ? و في المائدة (3) ? فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ? ليس فيها ياء وإنما كسرة، هذه أيضا مواطن مما قد يحفظه ابتداء حفظا خاطئا و يقع في هذا في أخطاء. و كذلك بعض الكلمات التي هي في مواضع بضبط معين و في مواضع أخرى بضبط آخر مثل ? سِخريا ? و ? سُخريا ? قد يحفظها تمر عليه الآية الأولى فتقرأ سُخريا فكلما مرت قال سُخرياً و لم يفرق بين سُخريا و سِخريا و غيرها من المواضع التي فيها مثل هذه الأمثلة، كما أيضا في الجمع و التثنية مثل قول الله سبحانه و تعالى ? رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ? فصلت 29 - و ليس الَّذِين، بعض الناس يقول الذين متعود، نادرا أو قليل ضمير التثنية فيقول ? الَّذِينَ ? و لا ينتبه لمثل هذا إذا كان غير متمرس أو كان متعجلا، و غير ذلك كثير أيضا كما أشرت في الأمثلة إنما هي للتقرير كما في قوله عز وجل ? فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ? الحشر 17- و ليس خالدِين فيها، خالدَيْن بالتثنية و ليس بالجمع فإذا لا بد أيضا من ضبط الكلمات حتى لا يحفظها حفظا خاطئا. و الأمثلة في ذلك كما قلت كثيرة جدا.
أيضا هنالك ضبط خواتيم الآيات، مع السرعة و العجلة قد لا ينتبه فيحفظ حفظا خاطئا ? وهو العزيز الرحيم ? ما قرأها بنظره قرأها ? و هو العزيز الحكيم ? وهكذا مضى عليها فحفظها، هذه واضحة لكن أحيانا كما هو في التجارب أن الذي يحفظ يستشهد و يظن أحيانا أن هذه الآية في ذهنه قد سمعها أو قد أدمن قراءتها وهي في ذهنه أنها ? و هو العزيز الحكيم ? فيقولها هكذا و يظن أنه قرأها و هو ما قرأها و ما مر ببصره عليها بل ربما يمر ببصره عليها وقد سبق في ذهنه أنها كذا و لا يقرأ المكتوب بل يُثبت ما في الذاكرة عنده أو ما يسمعه أو ما يظنه أو يتوهمه، فينبغي أن يضبط ذلك حتى تكون القراءة صحيحة قبل أن يحفظ شيئا خاطئا، و كما قلت هنا التنبيه أن الحفظ الذي فيه خطأٌ، خطأ. يعنى هذا الحفظ الذي فيه أخطاء هو حفظ فيه خطأ لأن طريقته خطأ لأنه يبقى و يستمر ويصعب تغييره في كثير من الأحوال.
كيف نحقق هذه القراءة الصحيحة، الأصل أيه الأخوة الأحبة أن القارىء و الحافظ لابد أن يقرأ على شيخ متقن، تلقى القرآن تلقيا بالمشافهة، وهذا هو الأصل في تلقي القرآن لقنه النبي عليه الصلاة و السلام صحابته و الصحابة من بعدهم، فليس القرآن كتاب يقرأ مثل غيره من الكتب، ففيه رسم و فيه بعض الأمور التي ذكرتها الآن من تقديم و تأخير و كذا وفيه قراءات و فيه بعض الكلمات التي ترسم بطريقة و تكتب بطريقة، وفيه أحيانا آيات أو كلمات تقرأ بوجهين، هذا كله لا يتيسر لك بمجرد القراءة، الأصل أن تكون متلقيا عن شيخ قد أتقن وتعلم فتكون قراءتك صحيحة فهو الذي يقرأ لك الصفحة أولا ويصححها لك ثم تمضي بعد ذلك و تطبق الطريقة التي قلناها، ممكن هذى خطوة ثانيه إذا كنت تلقيت التجويد و تلقيت القراءة و أحسنتها بمعنى أنك من ناحية القراءة النظرية جيد، و تحسن القراءة و لا تسقط فلا بأس بأن تبدأ بتطبيق هذه الطرق الأولى أو الثانيه لكن لابد أن تكون قد أتقنت القراءة وعرفتها و قرأت إما ختمه كاملة أو قرأت معظم القرآن و ذلك مما يضبط لك هذا الجانب، هذا أول الشروط التي لا بد منها لتَكمُل لك طريقة الحفظ الصحيح.
الشرط الثاني: الحفظ المتين
الحفظ الجديد لا بد أن يكون حفظا متينا، لا يقبل فيه خطأ ولا أقل من الخطأ و لا وقفه و لا تعتعه، الحفظ الجديد أعني، إذا أردت أن تحفظ صفحة جديده إن لم يكن حفظك لها أقوى – مبالغة – من حفظك للفاتحة فلا تعد نفسك قد حفظتها، لماذا ؟ لأن الحفظ الجديد هو مثل الأساس، الآن إذا جئت بأساس البناء و تعجلت حيثما اتفق سوف ينهد البناء فوق رأسك يوما ما. و الحفظ الجديد إذا قبلت فيه بالخطأ و الخطأين، أو التعتعة أو الوقفة فإنك ثق تماما أنك كالذي يبني الرجاء على شفير الهاوية، يعنى كأنك متأرجح، فإذا كنت في البداية متأرجح كيف ستبني على ما بعده، كيف تريد أن تكون هذه الصفحة بعدها صفحات و صفحات، لا يمكن. لا ينبغي الترخص مطلقا في ضبط الحفظ الجديد ولو أخذت بدل الدقائق العشر التي ذكرناها عشرين أو ثلاثين أو أربعين، المهم لا تنتقل من حفظك الأول حتى تتقنه اتقانا كما قلت مبالغةً أكثر من إتقانك للفاتحة، لو قلت لأحدكم الآن سمع الفاتحة فسَمَّعها بكل سهولة و يسر، بل لو كان نائما و حلم و قرأ الفاتحة لن يخطِأ فيها، لماذا ! لأن الفاتحة قد أدمن قراءتها و حفظها أكثر من حفظه أسمه، لابد أن يكون الحفظ الأول مثل ذلك كما قلت دون أخطاء و دون عجلة.
الشرط الثالث: التسميع للغير
وهذا الذي سيكتشف لك الأخطاء التي ذكرتها، بعض الناس الصفحة الأولى للمرة الثالثة يسمع الصفحة خرج مطمئنا منشرح الصدر مسرورا وهو قد حفظ و هناك بعض الأخطاء مما أشرت إليه، كيف يكتشفها، لا يكتشفها، يعيد مرة ثانيه في اليوم التالي صفحته ويسمعها في خطئها و المصحف أمامه، لماذا ؟ لأنه تصور أنه حفظ حفظا صحيحا. الذي يكتشف لك ذلك أن تسمع الصفحة لغيرك مهما أنت بالغا الحد بالذكاء، و حدة الذهن و سرعة الحفظ فلابد أن تسمع لغيرك، أن تعطي المصحف غيرك ليستمع لك، وهذا أمر لا بد منه. لا بأس قد لا تجد من يسمع لك الصفحة إذا حفظتها أو الصفحتين أو الثلاث لا بأس، لكن لو جمعت خمسا من الصفحات أو عشرا من الصفحات سمعها لغيرك، هنا لازال هناك مجال للاستدراك، أما بعد أن تحفظ عشرة أجزاء تأتي و تسمع و عندك من الأخطاء ما الله به عليم هذا لا يمكن أن يكون مقبولا.
الشرط الرابع التكرار القريب
الحفظ بالحفظ، لو أنك صوبته وصححته، و لو أنك متنته و قويته و لو أنك سمعته و قرأته، لا يكفي فيه ذلك حتى تكرره في وقت قريب، ما معنى الوقت قريب، في يومك الذي حفظت به الصفحة لو حفظتها بعد الفجر، إذا تركتها إلى فجر اليوم التالي ستأتي إليها وقد أصابتها هينات واعتراها بعض الوقفات و دخلت فيها بعض المتشابهات مما قد حفظته قبلها من الآيات، لابد أن تكرره في الوقت نفسه.
في ذلك اليوم الصفحة الجديدة، بعد التسميع الذي ذكرته ثلاث مرات، على أقل تقدير أن تسمع الصفحة خمس مرات في ذلك اليوم، و سأذكر كيف يمكن تطبيق ذلك دون عناء و لا مشقه، لان بعض الأخوة يقول هذا يريد أن نجلس في المسجد من بعد الفجر إلى المغرب حتى نطبق هذه الطرق التي يقولها. أذكر مثال أن الحفظ الذي تتركه و لا تكرره يسرع في التفلت في ترجمة ابن أبي حاتم، الإمام ابن أبي حاتم رحمة الله عليه كان يقرأ كتابا يريد أن يحفظه فكان يقرأه بصوت عالي ويكرره و عنده عجوز بالبيت وهو يكرر الكتاب الأولى والثانية و الثالثة والعاشرة، فملت منه قالت: ما تصنع يا هذا، قال: إني أريد أن أحفظه، قالت: ويحك لو كنت تريد لقد فعلت فإني قد حفظته، فقال: هاتيه، فسمعت له الكتاب من حفظها سماعا فحفظته، قال و لكني لا أحفظه حتى أكرره سبعين مره. يقول فجئتها بعد عام فقلت لها هاتي ما عندك من الكتاب فما أتت منه بشيء، أما أنا فما نسيت منه شيئا.
لا تنظر للوقت القريب انظر للمدى البعيد، أنت تريد أن تحفظ شيئا لا تنساه بإذن الله عز وجل.
الشرط الخامس: الربط بما سبق
فالصفحة مثل الغرفة بالشقة ومثل الشقة في العمارة، يعنى لا يمكن أن تكون هناك صفحة وحده، لا بد أن تربطها بما قبلها و أن تربطها بما بعدها و سيأتي لنا حديث عن الربط لاحقا.
إذا هذه هي الطريقة ثم هذه الشروط اللازمة .
ثالثا العوامل المساعدة
ننتقل إلى العوامل المساعدة. التي تساعدك على هذا و هذا .
أولا: القراءة في النوافل
النوافل الرواتب خمس في حد التقدير في الحد الأدنى لمن لا يزيد، ماذا نقرأ فيها غالبا ، كل واحد سيجيب إجابة واحدة سورة الإخلاص، الكافرون ، الكوثر . نريد الصفحة الجديدة أن تسمعها خمس مرات في هذه الصلوات الخمس أو في هذه الرواتب الخمس. الصفحة عندما تقسمها قسمين، سورة الضحى و ألم نشرح تقريبا في هذا الحديث، فلا تفصل صلواتك عن قراءاتك و حفظك، هذا من أهم العوامل المساعدة أن تغتنم النوافل بإخلاص في حفظ و مراجعة و تثبيت هذا الحفظ.
ثانيا: القراءة في كل آن
وخاصة في انتظار الصلوات، ما الفرق بين هذه و تلك؟ في كل آن عندما تذهب لموعد وغالبا تأتي و لا يأتي من واعدته إلا متأخرا فليكن ديدنك أن تكرر حفظك و أن يكون مصحفك في جيبك. الصلوات كثيرا ما نأتيها و قد كبر الإمام، لو قدمنا خمس دقائق قبل كل صلاة لكان عندنا خمس صلوات، خمس مجالس يمكن أن نكرر فيه صفحة الحفظ أو أن نربط بعض الصفحات، أو أن نراجع بعض ما سنذكره في شأن المراجعة. هذا لابد أن يكون لنا اهتمام به و أن نضعه في أذهاننا و تصوراتنا.
ثالثا: قراءة المحراب
القراءة الفاحصة التي تفحصك و تمحصك، هل حفظت حفظا صحيحا! هل حفظت حفظا متينا ! إنها قراءة المحراب. أن تتقدم إماما في الصلاة أو أن تؤم الناس إذا تيسر لك ذلك أو إذا وجدت لك الفرصة أو إذا قدمت، اقرأ في المحراب ما حفظته، فإن كنت مطمئنا مستطيعا للقراءة دون تلكأ و لا تخوف و لا توقف فهذا مما يعين لأن قراءتك في الناس غير، إذا أخطأت ركعت، و إذا أخطأت في الركعة الثانية انتقلت إلى سورة أخرى، أما المحراب فغالبا ما يمحصك و يفحصك فحصا جيدا فاحرص عليه إن كنت إماما أن تجعل من حفظك في صلاتك و قراءتك.
رابعا: سماع الأشرطة القرآنية المجودة
و هذه نعمة من نعم الله عز وجل علينا، أنك يمكن أن تسمع الحفظ الجديد و القديم في كل يوم في أثناء مسيرك في سيارتك أو قبل نومك في بيتك اجعل شريط القرآن دائم التكرار. و لا يكن ذلك عفوا و ليكن ذلك بطريقة منهجية، بمعنى أنك عندك في هذا الأسبوع سورة معينة للمراجعة تريد أن تجعله ديدنك خلال هذا الأسبوع. و أن تجعل أيضا شريط الحفظ الجديد أيضا ديدنك هذا الأسبوع، ليس كيفما اتفق و حسب الحاجة، لا، افعل ذلك ضمن البرنامج الذي تكمل فيه حفظك و مراجعتك فإن هذا من أعظم الأمور المعينة المساعدة، لأنك ستسمع القراءة الصحيحة و ستعيدها و تكررها، و ستسمعها بحسن التجويد و الترتيل فذلك من أهم العوامل المساعدة.
خامسا: الالتزام بمصحف واحد للحفظ
وهذا أيضا من الأمور التي يوصى بها و يحرص عليها كثيرا ، لابد أن تأخذ لك مصحفا واحدا تحفظ عليه قدر استطاعتك من أول المصحف إلى آخره، لأن التغيير تشويش، أنت عندما تلتزم المصحف الواحد غالبا ما ينقذح في ذهنك صورة الصفحة مبدأ السورة في الصفحة و مبدأ الجزء في تلك الصفحة وأين تنتهي و كم عدد الآيات فيها فذلك يثبت الحفظ عندك ويجعلك أقدر على أن تواصل و أن تربط و أن تمضي إن شاء الله مضيا جيدا سريعا وقويا. أما إذا حفظت يوما هنا فهذه الصفحة تبدأ بالسورة وفي مصحف آخر السورة بدايتها في مكان آخر ، لا تستفيد من هذه الفائدة التي هي إحدى الفوائد التي سنذكرها فيما يأتي من الحديث. إذن المصحف الواحد يعين و أجود المصاحف ما يسمى مصحف رأس الآية الذي يبدأ بآية و ينتهي بآية، ليس في صفحة جزء من الآية و تكملتها في الصفحة التي بعدها أو وراءها ، لأنك كما قلنا اجعل قدرك أو حفظك هو الصفحة، مقياسك صفحة ، إما أنك ستحفظ في اليوم صفحة أو أكثر، تلك الصفحة هي اللوح الذي يعينك بإذن الله عز و جل .
سادسا: استعمال أكبر قدر ممكن من الحواس
وهو من أهمها و آخرها، و هذه من الناحية العلمية معلوم أن استخدام حاسة واحدة يعطي نتيجة بنسبة معينة، فإذا استخدمت للحفظ أو في هذا العمل حاستين زاد استيعابك و فهمك و حفظك له، و إذا استعملت ثلاثة حواس زاد، إذا استخدمت أربع زاد.
كيف نستخدم الحواس ؟ بعض الأخوة يقرءون كما يقولون يقرأ بعينه، هذه تضعف حفظك. اقرأ بعينك و بلسانك، ارفع صوتك يتحرك اللسان وتسمع الآذان، ثم إذا استطعت و هذا لا شك أنه فيه صعوبة لكن فيه قوة و متانة وهو أمر الكتابة، إذا حفظت صفحتك فاكتبها ولو على غير الرسم، كتابة لتثبيت الحفظ ، فإن الكتابة من أقوى ما يثبت الحفظ تثبيتا راسخا لا ينسخ بإذن الله عز و جل. و نحن نعلم شأن الكتاتيب التي تسمى كتاتيب، و التي بعض الناس يقول زمن الكتاتيب و طريقة الكتاتيب، وكأنه أمر فيه تخلف و هو في حقيقة الأمر من أجود و أمتن و أحسن ما يمكن عليه الحفظ.
وأذكر لكم هذه التجارب تعرفونها خاصة في بلاد المغرب العربي وفي بلاد أفريقيا لازالوا في موريتانيا و غيرها لازالوا بهذه الطريقة. أنا ذهبت مرة إلى المغرب و ذهبت إلى بعض المساجد ووجدت الطلاب كل معه لوحه من الخشب يكتب عليه، فإذا كتب هذا اللوح يظل يردده حتى يحفظه، ثم عندهم هناك سطول من الماء يغمس فيها لوحه فيه ويكون قد ثبت في ذهنه، فإذا محي من لوحه فلا يخشى بإذن الله عز وجل من ذهاب حفظه. فالكتابة أيضا أمر مهم ، وهناك نماذج كما قلت عندما ترى أمثال هؤلاء الذين يحفظون في الكتاتيب تعجب كأن عندك مسجلا، يقول اقرأ من آية كذا ينطلق المسجل ما شاء الله دون أن يخطئ، بل في تركيا عندهم مدارس لتحفيظ القرآن على النظام الداخلي، يدخل فيها الطالب ما يظهر لأهله إلا في آخر الأسبوع لمدة سنتين كاملتين، لكن يحفظ حفظا عجيبا و إن شئت قل أعجب من العجيب أولا بأرقام الآيات بمواضيعها بترتيبها، يمكن إذا جئت بالآية لا يأتيك بالتي بعدها، بل يأتيك بالتي قبلها، و ممكن إذا جئته بالآية و قلت أنك تريد نظائرها قرأ لك هذا الموضع و أتمه ثم جاءك بموضع آخر من سورة أخرى و أتمه، يعنى حفظ في غاية القوة و المتانة .
هذا ما يتعلق بالحفظ.
ثالثا: المراجعة
القسم الثالث المراجعة، وهي من تمام الحفظ، فلا حفظ بلا مراجعة، و ليس هناك مراجعة أصلا من غير حفظ. هناك أسس ثلاثة قبل أن ندخل في طريقة المراجعة.
الأسس
أولا : التعاهد الدائم
ولست كما قلت معنيا بأن نذكر النصوص في تفلت القرآن و ما أخبرنا به نبينا على الصلاة السلام } تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها – رواه مسلم { ، وقال } تعاهدوا هذه المصاحف وربما قال القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقله – رواه أحمد { تعاهدوا القرآن فإنه أشد تفصيا ، إلى غير ذلك من الأحاديث لكن أقول أن القرآن قال الله عز و جل في وصفه ? وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ? القمر 17- ، لكن جُعل من خصائصه أنه سريع التفلت، لماذا ؟
حكمة من الله عز وجل، من أراد أن يحفظ القرآن هكذا ليتباهى به، أو يحفظه ليأخذ به جائزة، فهذا لا بأس يحفظ ثم ينسى، أما من يريد أن يحفظ القرآن حفظا لله عز وجل ثم ينتفع به في عبادته و تعليمه و إلى آخره، فإنه لا بد أن يبقى معه و بقائه معه هو التأثير الإيجابي العملي السلوكي فإن الأمر ليس يتعلق فقط بالحفظ نحن اليوم نركز على هذه المعاني لأننا نهدف إلى هدف معين نريد طريقة الحفظ أما بقية الأمور فليست في معزل عن هذا.
ثانيا لا بد من المقدار الكبير
المقدار الكبير، من يريد أن يراجع صفحة باليوم هذا لا تعد مراجعة و لا ينتفع بها إلا في دائرة محدودة جدا.
ثالثا: استغلال المواسم
مثل موسم رمضان هو موسم المراجعة الأكبر، فقد كان النبي r يلتقي جبريل في رمضان ويتدارسان القرآن معا في كل رمضان حتى إذا كان عام في العام الأخير تدارسه معه مرتين، فهذه النوافل تجمع و تفيد بإذن الله عز و جل.
أما الطريقة فأحب أن أشير إلى أمر مهم جدا إذا اعتبرنا المراجعة هي عبارة عن وقفات و محطات فأحسب أنها لا تفيد، يعنى أمضي لأحفظ خمسة أجزاء ثم أقف للمراجعة، هذه بالنسبة للتجربة أرى أنها كالذي يحرث في الماء، خاصة إذا كانت طريقته في الحفظ أيضا ليست محكمة وجيدة. لا بد أن تكون المراجعة جزءا لا يتجزأ من الحفظ، فكما تحفظ كل يوم تراجع كل يوم، لا تقل لي ليس عندي في هذه الأيام مراجعة أو المراجعة ستكون في الشهر القادم أو بعد شهرين، هذا لا سيما في البدايات لا يمكن أن يثمر ولا ينفع في غالب الأحوال، لا بد أن تكون المراجعة جزء قصير.
الطريقة ويمكن أن نشير إلى أمرين مهمين في مسألة الطريقة.
أولا: تسميع أربعة صفحات من الحفظ الجديد
عند تسميع كل صفحة جديدة لا بد من تسميع أربعة صفحات من الحفظ الجديد قبلها. يعنى يسمع خمس صفحات، في اليوم التالي ماذا سيصنع، سيحفظ صفحة جديدة سيسمعها و معها أربعة صفحات من التي قبلها وستكون صفحة الأمس معها، صفحة الأمس ستكرر خمس مرات، فهذا أولا جزء المراجعة المبدئي الذي هو للحفظ الجديد، يحتاج إلى صيانة باستمرار، مثل أي شيء تترك صيانته يبدأ يتسرب إليه الخلل، إذا أولا مع كل صفحة جديدة يسمع أربع صفحات من الجديد قبلها، هذا سيجعل الصفحة الجديدة تسمع خمس مرات، قبل أن ينتقل قبل ذلك إلى صفحة سادسة وسيعيد قبلها أربع فلن تكون الأولى منها.
ثانيا: أن يسمع في كل يوم عشر صفحات من القديم
وكما قلت ليس هذا صعبا أو محالا إذا استغل مشيه بسيارته و صلاته في نوافله و قراءته في نوافله و غير ذلك مما أشرت إليه من سماعه لأشرطة، فيتحقق له ذلك بإذن الله دون عناء كبير المهم النية و العزيمة إلى آخر ما ذكرنا في الأسس العامة هذا يضبط لنا الأمر خاصة في البداية، ثم ماذا يحصل نتيجة لهذا، في البداية أيه الإخوة قد يكون مثل هذا الأمر فيه بعض الصعوبة أو يحتاج لبعض الوقت، لكن مالذي يحصل بعد هذا أيه الأخوة، الذي يحصل الست قد اشترطت عليكم أن تكون حفظ الصفحة الأولى مثل حفظ الفاتحة، فإن طبقتم ذلك ثم قرأتموها خمس مرات في نوافلكم ، ثم كانت ضمن الصفحات الخمس التي تسمع في الأيام التي بعدها، فماذا سيكون شأن هذه الصفحة، هل تراك عندما تراجعها ستحتاج إلى جهد أو إلى عناء، أنت ستتلوها كما تتلو فاتحة الكتاب ، و أنت تمشي و أنت تجلس و أنت تنتظر و أنت تقوم و في وقت من الأوقات، إذا ماذا يحصل، المراجعة إذا أتقناها بهذه الطريقة تصبح شيئا لا يشكل عبئا و لا يحتاج وقتا في الوقت نفسه.
فلو تصورت أنك بدأت الحفظ حديثا، فحفظت الصفحة الأولى، ثم جئت باليوم التالي و حفظت الصفحة الثانية، و بذلك تسمع الصفحتين معا حتى إذا جئت إلى اليوم الخامس سمعت الصفحات الخمس، ثم إذا جئت إلى اليوم العاشر سمعت العشر، و بذلك تمضى إلى نهاية الجزء عشرين صفحة، ماذا سيكون، ستكون الصفحة الأولى قد مرت بك نحوا من ثلاثين مره ، فإذا مشيت على هذه الطريقة، إذا جئت إلى الجزء الثاني و الثالث لن يكون الجزء صعبا عليك، و لن تحتاج أن تقول إذا لابد أن أتوقف الآن حتى أراجع ذلك الجزء، هذا التوقف و الوقفات الطويلة للمراجعة هي حفظ جديد. كثيرا ما يصنع ذلك طلبة التحفيظ، يمضى خمسة أجزاء ثم يقول أقف للمراجعة، ووقفته للمراجعة حفظ جديد يحفظها مرة ثانيه ثم لا يحكمها ويمضى خمسة أخرى ثم يقول أرجع و هو كما قلت إنما يحرث في الماء فلينتبه لذلك.