ثانيا : المنهج
التحليلي :
وهو الذي يقوم على إيراد نصوص السيرة وأحداثها مصحوبا أو متبوعا
بدراستها وتحليلها واستنباط الفوائد والعبر منها . وهو ما يعبر عنه في أحيان كثير
بفقه السيرة , ويدخل في ذلك ما كان شاملا للسيرة أو لجزء أو أجزاء منها .
وهذا
التحليل أمر زائد على مجرد الشرح والبيان للألفاظ أو الترجيح للوقائع ونحو ذلك بل
هو اجتهاد يستنبط فيه الباحث ما يفيد القارئ من نصوص هذه السيرة وأحداثها
.
ويمكننا القول أن عددا من تفاسير القرآن الكريم بما شملته من تفاسير الآيات
المتصلة بالسيرة النبوية وكذلك بعض شروح السنة النبوية وبخاصة شروح البخاري ومسلم
لما ورد فيها من نصوص السيرة يعد داخلا في هذا الباب .
لكن رائد هذا المنهج
باعتبار اختصاص النظر بالسيرة النبوية وشمول أحداثها والتأكيد على مقصد الخروج بفقه
هذه السيرة هو الإمام العلامة ابن القيم الجوزية ( ت 771 هـ ) فكتابه القيم ( زاد
المعاد في هدي خير العباد ) يعد أول كتاب في فقه السيرة , وقد جمع بين عرض أحداث
السيرة واستنباط فقها وفوائدها ودروسها .
ولما حواه هذا الكتاب من علم
واستنباطات واستطرادات تتصل بالسيرة النبوية وغيرها ؛ فقد قام بعض الباحثين
باستخلاص السيرة وفقهها منه ؛ وقد وقفت على ثلاثة كتب في ذلك :
الأول :
بعنوان ( فقه السيرة النبوية من زاد المعاد في هدي خير العباد – للإمام ابن قيم
الجوزية - )تنسيق وترتيب وشرح وتقديم : الدكتور السيد الجميلي .
والثاني :
بعنوان ( فقه السيرة من زاد المعاد- الإمام المحدث المفسر الفقيه شمس الدين أبي عبد
الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية - ) تصنيف : خالد عبد الرحمن العك
.
والثالث : بعنوان : ( سيرة خير العباد - للإمام ابن قيم الجوزية ) إعداد :
صالح أحمد الشامي .
وهي متقاربة جدا من حيث استخلاصها للسيرة النبوية وفقهها كما
أوردها المؤلف في الجزء الأول والجزء الثالث من زاد المعاد
.
.................................................. ......
المرجع السابق
ص 68 .
انظر : مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص 107 – 109 .
الناشر: دار
الفكر العربي في بيروت ؟؟؟
الناشر: دار الحكمة في دمشق وبيروت , ط1 , 1410 هـ
.
الناشر : المكتب الإسلامي , بيروت ودمشق وعمان , ط 1 , 1421 ه ـ
.
.................................................. ............
وأصوبها
تسمية الكتاب الثالث لأن سابقيه لم يقتصرا على الفقه كما يشير العنوان الذي وضعاه
.
كما أن الثالث استل العنوان الجديد من العنوان الأصلي ؛ فالمؤلف قد سماه ( زاد
المعاد في هدي خير العباد ) ولكونه اشتمل على السيرة وغيرها فقد سماه المصنف –
الشامي - سيرة خير العباد .
المطلب الثالث : كتابة السيرة النبوية في العصر
الحديث .
أولا : تحقيق روايات السيرة
ثانيا : انتشار المنهج التحليلي
لا
يستغرب اهتمام الأمم بعضمائها ؛ كما لا يستغرب تواصل واستمرار اهتمام الأمة
الإسلامية بسيرة إماما وقدوتها ونبيها محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم
.
وكما قام سلف هذه الأمة ومتقدموها بتدوين وجمع أدق المسائل في هذه السيرة
العطرة , فقد قام المتأخرون وما زالوا ببذل الجهد ومزيد العناية بهذه السيرة في
اتجاهين رئيسين :
الأول : تحقيق روايات السيرة النبوية وفق منهج نقدي يعتمد
الموثوق ويستبعد المشكوك فيه , وقد تتابعت الكتابات و تكاثرت في هذا المجال وفق
طرائق ومدارس متقاربة من تحقيق للمصنفات المتقدمة , أو دراسة لمرويات كل حدث على
حدة , أو التصنيف الجديد للسيرة باعتماد الروايات الموثوقة في المصادر المتعددة .
الثاني : انتشار المنهج التحليلي وتتابع الإنتاج العلمي في ذلك , بل يمكن
القول باطمئنان أنه اتجاه هذا العصر عند التأليف في السيرة النبوية في البيئة
الإسلامية , ولا يخلوا كتاب في السيرة في الأعم الأغلب - حتى تلك التي تتجه لتحقيق
الروايات - من استنباط وإشارة للدروس والفوائد والعبر .
وهذا المجال هو زبدة
البحث في السيرة العطرة ؛ إذ إنه الخطوة الأولى في طريق تطبيق هذه السيرة , فليست
السيرة نصوصا تحفظ , أو قصصا تتلى , إنها هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يجب
تعلمه وتطبيقه بقدر الطاقة , يقول تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) ( الأحزاب : 21 )
والدعوة إلى الإفادة من
الكتب المهتمة بتوثيق السيرة النبوية لتقديم دراسات تحليلية حولها دعوة ينادي بها
الدعاة والمربون ، ويرددونها في
.................................................. .......
انظر بعض
النماذج في السيرة النبوية الصحيحة 1 / 23 – 33 .
انظر مثلا : السيرة النبوية
لأبي الحسن الندوي ص 13 – 14 وبقية الكتاب, و السيرة النبوية في ضوء المصادر
الأصلية للدكتور مهدي رزق الله أحمد ص 14 وبقية الكتاب , وصحيح السيرة النبوية
لإبراهيم العلي ص 20 وبقية الكتاب
.
..................................................
............
المناسبات المتعددة ؛ إذ لا زال هذا المجال بحاجة إلى عناية كبيرة
لحاجة الأمة إليه وبخاصة الناشئة بدرجة لا تقل عن حاجتهم إلى الضرورات في وسائل
المعيشة ؛ بل تزيد عليه , فهم يعيشون في الغالب وسط مؤثرات أكثرها صارف عن دين الله
وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم , وبالتالي صارف لهم عن الحياة المطمئنة الهانئة في
هذه الدنيا وفي الآخرة .
والمتخصصون في الدعوة هم أولى الناس بهذا الاهتمام
فعليهم يقع الجزء الأكبر من مسؤولية التأثير الإيجابي في الأمة وحفظ دينها , ونشر
هدي الله تعالى بين عباده في كل مكان , ولا شك أن فهم هدي المصطفي في سيرته ,
واقتفاء معالم هذا الهدي , ودعوة الناس إليه , هو طريق الاستقامة على هذا الدين ,
وهي - أي السيرة - مدخل عظيم الفائدة في الدعوة بها وإليها ، يقول ابن حزم ( ت 456
هـ ) : " إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة , وتشهد
له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا , فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى
الله عليه وسلم لكفى " .
وسنعرض إلى شيء من التفصيل في المنهج التحليلي في
المطلب الآتي بعون الله وتوفيقه .
((وللحديث بقية-إن شاء الله تعالى-))